خلال رحلتي لأحد الدول التي تعتبر وجهة سياحية عالمية معتبرة، تبادر إلى ذهني سؤال عن علاقة قطاع السياحة بقطاع الصناعة. وعن العلاقة النسبية بين ارتفاع عائدات قطاع السياحة وارتفاع قيمة صادرات السلع لبلدٍ ما، من المعلوم أن السياحة في حد ذاتها صادرات للدولة المستضيفة، إذ تجلب لاقتصاد هذه الدولة عملة أجنبية، وتخلق الوظائف، مساهمة في الناتج المحلي ومؤشرات الاقتصاد الكلي للدولة. وبجانب التأثير المباشر، تساهم صادرات السياحة بشكل غير مباشر في جذب الاستثمارات للقطاع، والقطاعات الأخرى المساندة مثل القطاع الصناعي والتجاري والخدمي. وقادني هذا التساؤل إلى علاقة القطاعين السياحي والصناعي من زاوية السياسات التي تخدم القطاعين معاً، انبثق بفضل الله ثم رؤية المملكة ٢٠٣٠ برامج واستراتيجيات قطاعية. وبحمد الله، فإن هذه الاستراتيجيات قيد التنفيذ، وتطالعنا قنوات الأخبار يومياً عن انجازات المملكة في شتى المحاور الاستراتيجية القطاعية. لكن ماذا عن العلاقة بين السياسات، بين ما يظهر بشكل عام بين القطاعات المترابطة بالضرورة مثل الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجستية، وبين قطاع قد يبدو غير ذي علاقة مباشرة مثل قطاع السياحة. دفعني هذا الفضول للبحث عن اجابة من زاوية دولية، وهي ما وددت مشاركتكم إياه من خلال هذا المقال.
تعد إيطاليا من الوجهات السياحية العالمية. كما تعد صادرات ايطاليا السلعية محل ترحاب لما لها من سمعة متميزة. بالعودة إلى تفاصيل بيانات ايرادات قطاع السياحة في ايطاليا، وكذلك صادرات ايطاليا السلعية للعالم للفترة من ٢٠٠٩م وحتى عام ٢٠٢٣م، وتحليل هذا البيانات وترابطها، فإن متوسط العلاقة النسبية بين قطاعي السياحة والصادرات السلعية في إيطاليا خلال الفترة هو حوالي ١,٠٥ أي أنه لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ١,٠٥٪ أي أن العلاقة قريبة من نسبة ١ إلى ١، دفعني الفضول للقيام بمزيد من الاطلاع على عدد آخر من الدول، وبالفعل فإن متوسط العلاقة النسبية بين ايرادات قطاع السياحة وقيمة الصادرات السلعية في الدول يظهر أدناه (خلال ذات الفترة وتشمل النفطية وغير النفطية):
١- فرنسا: ١ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ١٪)
٢- تركيا: ١ الى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ١٪)
٣- الصين: ٠,٨٨ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ٠,٨٨٪)
٤- الولايات المتحدة الأمريكية: ٠,٥٣٪ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ٠,٥٣٪) وهي ذات العلاقة للصادرات السلعية غير النفطية.
٥- مصر: ٠,٢٦ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ٠,٢٦٪) للصادرات السلعية النفطية وغير النفطية. أما بالنسبة للعلاقة النسبية بين القطاعين للصادرات السلعية غير النفطية فقط فهي ٠,٣٠ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية غير النفطية بنسبة ٠,٣٠٪).
٦- الامارات العربية المتحدة: ٠,٥٨ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ٠,٥٨٪) للصادرات السلعية النفطية وغير النفطية. أما بالنسبة للعلاقة النسبية بين القطاعين للصادرات السلعية غير النفطية فقط فهي ٠,٨٠ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية غير النفطية بنسبة ٠,٨٠٪).
٧- المملكة العربية السعودية: ٠,٦٩ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية بنسبة ٠,٦٩٪) للصادرات السلعية النفطية وغير النفطية. أما بالنسبة للعلاقة النسبية بين القطاعين للصادرات السلعية غير النفطية فقط فهي ٠,٤٠ إلى ١ (لكل زيادة بنسبة ١٪ في إيرادات السياحة، تزداد الصادرات السلعية غير النفطية بنسبة ٠,٤٠٪).
قادتني هذه النتائج إلى الوقوف على أسباب التباين في العلاقة النسبية بين القطاعين، والشكل المتوازن لهذه العلاقة. وبعد البحث، فهمت أن علاقة ١ إلى ١ (أي أنه كلما ارتفعت ايرادات قطاع السياحة بنسبة ١٪، ترتفع قيمة الصادرات السلعية بنسبة ١٪) بين القطاعين في دولة ما تشير إلى أن هذه العلاقة المتوازنة تعني أن قطاع السياحة يلعب دوراً مباشراً في ترويج الصادرات السلعية لذات الدولة. وأن التباين في هذه العلاقة النسبية يشير إلى حاجة قطاع السياحة لمزيد من الجهود لترويج صادرات الدولة من السلع حتى يتحقق التوازن. الدول ذات الاقتصاد المتنوع، والبنية التحتية الناضجة، والعلامات التجارية القوية، هي الأقرب لتحقيق هذا التوازن بين القطاعين.
أما وإن كانت العلاقة بين القطاعين أقل من ١ إلى ١، مثلا ٠,٥ إلى ١ أو ٠,٧ إلى ١، فهذا يعني أن عائدات قطاع السياحة تؤثر بشكل أقل على الصادرات السلعية، وأن ترويج السلع المحلية للسياح يحتاج إلى تطوير حتى تزيد العلاقة النسبية بين القطاعين. كما أن هناك عوامل أخرى تقود الزيادة في الصادرات السلعية كالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز.
أما وإن كانت العلاقة أكبر من ١ إلى ١، فهذا يعني أن أي زيادة بسيطة في عائدات القطاع السياحة تؤثر بشكل كبير في زيادة الصادرات السلعية مما يعني أن السياحة في تلك البلد تلعب دوراً مهماً في التجارة الدولية لذات البلد. كما يعني ذلك أن هناك تركيزاً على تصنيع منتجات محددة للتصدير، مع توظيف تأثير السياح في الترويج للسلع المحلية. ومن اطلاعي، فقد حققت بعض دول أوروبا وتركيا في بعض الأعوام نتائج من هذا النوع.
وبطبيعة الحال، فإن نوعية السياح تلعب دوراً رئيسياً في هذه العلاقة النسبية بين القطاعين. السياحة من أجل ابرام الصفقات وزيارة المعارض المحلية والدولية والأسواق تلعب دوراً أكبر من السياحة لأسباب ترفيهية ودينية. كما أن تنوع اقتصاد البلد يلعب دوراً هاماً في هذه العلاقة إذ تتكامل القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية لإنتاج علاقة متوازنة. وهذا ينسحب بالضرورة على تنوع القطاعات الفرعية للقطاعات الاقتصادية الرئيسية. كما أن استخدام السياحة وتوظيف انتباه السياح للترويج للمنتجات المحلية وتعريفهم بالعلامات التجارية المحلية يساهم في تحسين علاقة القطاعين. وزيارة التجار لبلد ما، وإن كانت لأسباب دينية أو ترفيهيه، مع تعريفهم بالعلامات التجارية المحلية، يساهم في توطيد العلاقة بين القطاعين. وقد أظهرت دراسة اقتصادية بعنوان "التأثير الترويجي للسياحة" أن قطاع السياحة يساهم في زيادة الصادرات السلعية للدولة.
ومن هنا، يمكن للدول تصميم سياسات اقتصادية تكاملية تدعم النمو الاقتصادي المستدام من خلال ترابط القطاعات الاقتصادية بعضها ببعض منتجة نسيج اقتصادي متوازن.
وهنا في المملكة، ننعم بقيادة طموحة، اطلقت لنا استراتيجيات وبرامج وطنية نستطيع معها تحقيق أفضل النتائج العالمية من خلال ترابط القطاعات لتعزيز تحقيق مستهدف اقتصاد مزدهر. كيف لا والمملكة تستهدف من خلال برنامج ضيوف الرحمن الوصول إلى ٣٠ مليون معتمر من الخارج في عام ٢٠٣٠. كما يستهدف قطاع السياحة عبر الاستراتيجية الوطنية للسياحة الوصول إلى ١٥٠ مليون سائح في عام ٢٠٣٠م بعد أن حقق ١٠٠ مليون سائح في عام ٢٠٢٣م. وقد اطلقت المملكة العديد من الاستراتيجيات الوطنية والبرامج مثل الاستراتيجية الوطنية الصناعية، وبرنامج صنع في السعودية، واستراتيجية الطاقة المتكاملة، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، والاستراتيجية الوطنية للزراعة، والاستراتيجية الوطنية للتعدين، والاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية وغيرها من الاستراتيجيات والبرامج الوطنية والتي تتكامل مع بعضها البعض - بعون الله - لصناعة نسيج اقتصادي متوازن يهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتحقيق رؤية المملكة ٢٠٣٠ بعون الله.
إن اصبت فمن الله، وان اخطأت فمن نفسي
تنويه:
بطبيعة الحال، فإن المؤثرات الاقتصادية على العلاقة المذكورة أعلاه متعددة، وليست علاقة خطية. يؤثر سعر صرف العملة، والاتفاقيات التجارية، والتكتلات الاقتصادية وغيرها في القطاعين بشكل مباشر، مما يستدعي معه الانتباه للعديد من المتغيرات الأخرى.
خاص_الفابيتا