تسعى الدول إلى تحقيق رخاء وازدهار وتأمين أقصى ما يمكن تحقيقه من حياة كريمة لأفرادها. لكن ازدهار الاقتصاد لا يحدث هكذا من تلقاء نفسه بل له بعد توفيق الله أسباب وعوامل. وهناك عوامل تعمل بالعكس، أي على إضعافه. أي أن الازدهار وعكسه الضعف محصلة عوامل كثيرة ونتيجة. ومن هذه العوامل طبيعة العادات والتقاليد والسلوكيات السائدة في المجتمع المعني، لنأخذ على سبيل المثال الوقت. هو أحد الموارد الأهم. وحسن استغلال الموارد يرفع ويزيد من النمو الاقتصادي. وعلى رأس الموارد اليد العاملة ورأس المال البشري والمادي، والوقت. إن حسن استغلال كل عنصر من هذه العناصر مطلوب. الموارد والأعمار لها حدود، ، ومن ثم فإن العادات والسلوكيات في قدر الانضباط وحسن استعمال للوقت ذات أثر كبير في الاقتصاد ونموه، هناك معايير أو مبادئ تحكم الاقتصاد، وربما كان أهمها أن الرغبات غير محدودة في ظل موارد محدودة. ولذلك لا يمكن الحصول على كل ما تشتهيه النفوس. ومن المعايير طريقة الاختيار. مثلا يمكن استعمال الموارد نفسها للحصول على عدة بدائل، كما يمكن توزيعها بأكثر من طريقة وعلى أكثر من فترة زمنية، ولذا لابد من الاختيار، ولكل اختيار محاسن وعيوب.
التعارض بين سلوكيات أغلب البشر والتطبيق لمعايير الاقتصاد ينشأ كثيرا، فمثلا يريد الناس استقدام يد عاملة وفي الوقت نفسه يريدون الوظائف لأبنائهم. يريدون توافر سلع رخيصة ولو كانت مستوردة، وفي الوقت نفسه يريدون صناعة وطنية ووظائف للجميع، وينقمون من وجود العطالة وتدني القدرات المحلية الإنتاجية الصناعية. يبحثون عن الواسطات إذا كانت لهم وفي الوقت نفسه ينقمون من وجودها إذا كانت عليهم، وهكذا، في إطار كثرة حصول تعارض بين سلوكيات ومعايير، جاءت الشرائع السماوية لتهذيب السلوك. وهذا موضوع طويل، في الأزمات العالمية ذات الطبيعة الاقتصادية هناك من يرى أن السبب الأول في الرأسمالية، التي تعني هيمنة الأفراد والقطاع الخاص على ملكية وسائل أو عناصر الإنتاج كرأس المال والعمل والأرض، بغرض الربح. ولكن هذا نظر قاصر وتبسيط مخل.
تقليل أو الحد من الأزمات الاقتصادية (وغير الاقتصادية) يتطلب ضمن ما يتطلب تشديد القوانين، بما يسد الذرائع، ويكافح الفساد، ويتطلب مراجعة موضوعية فتعديلات في عادات وسلوكيات مؤثرة سلبا في حركة الاقتصاد وغيره. وبفضل الله، أعطت الرؤية اهتماما قويا لهذا الجانب، وتبعا، فإن العوامل الداخلية في أي بلد هي الأهم في تفسير التقدم أو التخلف الاقتصادي، مع عدم إنكار التأثيرات الخارجية. أهم أو من أهم العوامل الداخلية طبيعة الثقافة السائدة. من علامات الثقافة المؤثرة سلبا ضعف الانضباط في الوقت، ومدح الاتكالية وتدني قيمة الاجتهاد والعمل وتقليل أهمية الحافز لكسب المال. ورفع قيمة الخصال المعاكسة.
باختصار، تتطلب التنمية الاقتصادية قيما وعادات تنسجم أو على الأقل لا تعاكس متطلبات تحقيق التنمية. السؤال التالي كيف نحقق ذلك؟ موضوع طويل، ولكني أذكر نقاطا، واجب الفرد أن يتعود ويعود من تحت رعايته ألا يستسلم إلى تقاليد وعادات يرى داخل نفسه أنها تضعف قيمة الاجتهاد والعمل وحسن استغلال الموارد. وعليه ألا يتعود على التبرير وتركيز رمي العيب في الآخرين. لا يقبل الله سبحانه في الآخرة الاحتجاح القائم على تبرير النفس. كيف؟ لا يقبل الله سبحانه سواء للفرد أو الجماعة التمسك بالسلوكيات السيئة بدعوى تأثير أو اتباع عوامل خارجية، يقول سبحانه: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا" [المائدة: 104] الآية).
باختصار في القرآن الكريم آيات يستفاد منها لتأييد القول بأن العوامل الداخلية هي الأساس الأول في تفسير التقدم أو التخلف الاقتصادي. وقد اهتمت الرؤية بهذا الأمر. ومن ذلك أن أول محاور الرؤية بناء مجتمع حيوي.
نقلا عن الاقتصادية