لنفترض أن ثلاث وكالات كُلّفت بجمع بيانات بخصوص عدد العاطلين عن العمل في بلد ما، فإذا كانت هذه الوكالات تختلف فيما بينها حول مفهوم البطالة أو تعريف من هو الشخص العاطل، فهل يمكن لهذه الوكالات أن تتوصل إلى نتائج موحَّدة قبل أن تقوم بتحليلها؟
يرى البعض أنه يجب توفُّر شرطين اثنين في أي شخص لكي يُحسب في عِداد العاطلين عن العمل: أوّلهما أن يكون بلا عمل وقت إجراء المسح؛ والشرط الثاني هو ألا يكون قد بدأ البحث عن عمل في الشهر السابق لجمع البيانات، وقد يضيف آخرون شرطا ثالثا أو أكثر إلى المعايير اللازم توفّرها لاحتساب الشخص عاطلا عن العمل، كموعد إجراء المسح، وما إذا كان الشخص قادرا على العمل لدوام كامل أو جزئيّ في الشهور الستة السابقة، ويرجع السبب المباشر وراء تفاوُت البيانات التي تجمعها الوكالات الحكومية الثلاث إلى أنها جميعا تنتهج طرقا حسابية مختلفة وغير موحّدة. وينتج عن ذلك أن البيانات الناتجة قد لا تكون قابلة للاستخدام حتى لو كانت الوكالات الثلاث قد اعتمدت في بحثها على معايير الجودة الأساسية في جمع البيانات - الدقة والنزاهة.
في ظل ذلك، تلجأ بعض شركات جمْع البيانات إلى إصدار تقارير أولية، قبل أن تُعدلها في وقت لاحق، سواء بزيادة الأرقام أو بخفضها لدرجة يبدو معها أحيانا أن التقارير متناقضة بخصوص البيانات، ولكن واقع الحال هو أن هذه الشركات تسابق الزمن لكي تُحرز السبق على غيرها في مضمار النشر، مؤشر أسعار المستهلك، يعدّ مثالا جيدا آخر في مسألة تفاوت البيانات. هذا المؤشر يتمحور حول تكلفة المعيشة بالنسبة للأفراد، وبالتالي فمن المفترض أننا نتحدث هنا عن مفهوم واحد ومحدد، بما يُفترض أيضا أن يؤدي إلى بيانات جيدة ومتطابقة عندما تُصدر وكالات متعددة تقاريرها السنوية أو الفصلية.
ولكن ماذا لو أثارت هيئة ما هذا السؤال (المشروع جدا بالمناسبة): هل ينبغي علينا أن نأخذ في الاعتبار تلك الارتفاعات في معدلات الفائدة على مدى السنوات القليلة الماضية – قبل أن تنخفض بشكل طفيف في سبتمبر/أيلول - وأثر تلك الارتفاعات الشهرية في الرهن العقاري ذي النسبة المتغيرة؟
في علم الاقتصاد، تواجه عملية جمْع بيانات مؤشر أسعار المستهلك تحديدا مشكلة معروفة، وهي أن المنتَج المشار إليه أو مجال العمل المشار إليه يجب أن يتمّ تعريفه بدقة وافية وعندما يتعلق الأمر بمسالة الرهن العقاري وملكية المنزل. وإليك معضلة حقيقية تختلف وكالات حكومية ومستقلة عديدة بشأنها: لو أن مالك منزل يسدد فواتير الخدمات المرفقة بمنزله، وكذلك فواتير الصيانة والتأمين، فضلا عن القسط الشهري من قرض المنزل، إذن ينبغي احتساب ذلك باعتباره جزءا من نفقات الأسرة ومن ثم يؤخذ في الحسبان لدى جمع بيانات مؤشر أسعار المستهلك وتحليلها من قبل الوكالات المختصة.
هذا رأي، لكن هناك رأيا آخر يرى أن ملكية المنازل هي استثمار وليست سلعة استهلاكية، وفي ضوء ذلك، يقول أصحاب هذا الرأي إن القسط الشهري وما يتصل به من نفقات ينبغي أن يُستثنى لدى جمع البيانات تفادياً للتفاوتات في احتساب التكلفة المعيشية. وللأسف، لا توجد طريقة متّفق عليها لحل هذه المشكلة، ثمة أيضا صورة شائعة للتفاوت في البيانات عادة ما تواجهها الشركات، والتي تظهر عندما يقوم خبراء الإحصاء بصياغة أسئلتهم التي ترِد في مسح عام. فحتى مجرد التغييرات الطفيفة في صياغة الأسئلة أو ترتيب كلماتها يمكن أن يؤثر على نتائج المسح.
لا عجب إذن في ضوء ما تقدم، أن تكتفي دولة كالولايات المتحدة بوكالة فيدرالية واحدة معتَمدة لجمع البيانات، والتي تتبع بدورها نهجا موحدا، هذه الوكالة هي "مكتب تعداد الولايات المتحدة" والمسؤول عن تعداد السكان بالإضافة إلى جمع البيانات الديموغرافية والاقتصادية، وبشكل سنوي، يصدر مكتب تعداد الولايات المتحدة مسحاً للمجتمع الأمريكي، والذي أصبح أكثر مصدر موثوق لأحدث البيانات الخاصة بعشرات الآلاف من الشركات في الولايات المتحدة؛ ذلك أنه يقوم بجمع بيانات تفصيلية وموحّدة عن كل شيء تقريبا مما يجعله عاكساً لعناصر الاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة بما في ذلك معدلات الوظائف والبطالة والتضخم والناتج المحلي الإجمالي وملكية المنازل، ويعتبر اتساق البيانات وشفافيتها ضرورة حيوية للشركات لكي تتخذ قرارات هامة، أو لكي تُعدّ نفسها بما يتوافق مع توقعات الاقتصاد الكلي في البلاد.
هذا الواقع المعقد كان جزءًا من التحديات التي واجهتها بوابة "أرقام" عندما بدأت العمل على تطوير منصة "أرقام ماكرو"، التي أطلقناها بهدف تقديم بيانات دقيقة وموحدة حول المؤشرات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، مدعومة بتقارير اقتصادية معمقة وموضوعية. نأمل أن يُسهم ذلك في تطوير ريادة الأعمال وزيادة الابتكار في مجتمعنا، نظرا للأهمية البالغة للبيانات وتحليلها. لا عجب إذن أنهم يعتبرون البيانات الجيدة القابلة للاستخدام بمثابة "النفط الجديد.
إسلام زوين، الرئيس التنفيذي لـ"أرقام".
مقال في منتهى الروعة والاروع منه الشماغ عليك تجنن.
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته