فيتنام الدولة التي شهدت نموًا اقتصاديًا كبيرًا في العقود الأخيرة، واجهت في عام 2022م إحدى أكبر فضائح الاحتيال العقاري في تاريخها. تورطت فيها السيدة ترونغ ماي لان، المديرة التنفيذية لمجموعة (Van Thinh Phat) البالغة من العمر 67 سنة، التي اتهمت بتنفيذ عمليات احتيال مالي واسعة النطاق قدرت خسائر المجموعة بحوالي 12.5 مليار دولار. امتدت هذه القضية إلى عدد كبير من الأفراد والشركات، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الفيتنامي وثقة المستثمرين.
ترونغ ماي لان تُعتبر من الشخصيات البارزة في القطاع العقاري الفيتنامي، بدأت مسيرتها المهنية في التسعينيات وكانت تمتلك إمبراطورية عقارية ضخمة تشمل العديد من المشاريع السكنية والتجارية. وفي عام 2022م، تم اكتشاف تورطها في عمليات احتيال مالي كبيرة، حيث استخدمت شركات وهمية لجمع قروض ضخمة من البنوك المحلية والدولية. كانت هذه القروض مخصصة لمشاريع عقارية لم تكن موجودة على أرض الواقع أو لم تكن مرخصة قانونيًا. حيث كانت تستخدام هذه الأموال لتمويل مشاريعها الخاصة وتحقيق مكاسب شخصية، ما أدى إلى تراكم ديون هائلة على الشركة وتفاقم الأزمة المالية للبنوك التي منحتها القروض. تم اتهامها بإدارة شبكة واسعة من الشركات الوهمية بالتعاون مع مسؤولين ساعدوها في تجاوز الرقابة المالية والقانونية خلال الفترة من 2010م إلى 2022م.
وعلى أثر هذه الفضيحة تأثر الاقتصاد الفيتنمامي على عدة أوجه؛ أولها: تأثرالقطاع المصرفي: حيث قدرت الخسائرالإجمالية لهذه الفضيحة بحوالي 27 مليار دولار، وتعادل أكثر من (7%) من حجم الاقتصاد البنكي وهي خسارة كبيرة بالنسبة لاقتصاد فيتنام، الذي يبلغ إجمالي ناتجه المحلي حوالي 368 مليار دولار في عام 2022م وتأثرت العديد من البنوك المحلية التي قدمت القروض لهذه المشاريع، وأهمها بنك (SCB) Saigon Commercial Bank الذي تعرض لأزمة سيولة حادة نتيجة تراكم القروض المتعثرة.
بالإضافة إلى تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية بما يعادل (20%) بعد انكشاف الفضيحة، حيث فقد المستثمرون الدوليون الثقة في القطاع العقاري الفيتنامي. كما انخفض النمو الاقتصادي بما يعادل (1.5%) لعام 2022م من أصل (7%) كانت متوقعه بسبب تأثرت قطاعات عديدة كالبناء والتشييد والتمويل بشكل كبير، وتراجع على أثر هذه الفضيحة الطلب على العقارات بسبب فقدان الثقة وتراجع النشاط الاقتصادي.
ومن جانب آخر تأثر المستثمرون والأفراد على حد سواء حيث خسر آلاف الأفراد أموالهم ومدخراتهم بسبب انهيار المشاريع العقارية التي تم الاستثمار فيها، حيث تقدر خسائرهم المالية بحوالي 3 مليارات دولار ولم يتمكن العديد من المستثمرين من استرداد أموالهم أو الحصول على العقارات المتفق على استلامها. ويضاف إلى هذا الأثر ارتفاع معدلات البطالة في قطاع البناء والتشييد، حيث توقفت العديد من المشاريع العقارية نتيجة هذه الفضيحة، مما أدى إلى فقدان آلاف العمال لوظائفهم. وحالة من عدم اليقين في المشاريع العقارية لدى الأفراد أدى إلى العزوف عن الاستمثار والشراء المنازل.
وعليه فقد قامت الحكومة الفيتنامية بإجراءات صارمة لتعزيز الرقابة القانونية على القطاع العقاري وتشديد القوانين المتعلقة بمنح القروض العقارية وزيادة الشفافية في التعاملات العقارية، وتم إنشاء لجان خاصة للتحقيق في المخالفات المالية ومراجعة جميع التراخيص الممنوحة للمشاريع العقارية. كما قامت بتعويض المستثمرين جزيئاً ممن تأثروا بالفضيحة وتم إنشاء صندوق خاص لهذا الغرض. وقد قامت الحكومة بحملة واسعة لمكافحة الفساد والتحقيق في الأنشطة المالية لمجموعة (Van Thinh Phat) والتي على أثرها تم اعتقال (ترونغ ماي لان) وأكثر من (85) شخصًا آخرين متورطين في الفضيحة منهم مسؤولون حكوميون ومديرو بنوك، وقد حكم عليها بالإعدام في شهر أبريل الماضي.
تجدر الإشارة إلى ضرورة وجود حوكمة تضمن حقوق المستثمرين والمساهمين ومجلس إدارة وقياديين نزهاء يمكن الإعتماد عليهم لحفظ وتنمية جميع حقوق أصحاب المصلحة وعدم الإخلال بجانب دون آخر، حيث أن فضيحة السيدة ترونغ إشعاراً قويًا بمدى خطورة الفساد والاحتيال في القطاع المالي والعقاري، وتأثيره المدمر على الاقتصاد والمجتمع. على الرغم من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة، إلا أن هذه القضية تُظهر الحاجة المستمرة لتعزيز الشفافية والرقابة في جميع القطاعات الاقتصادية.
خاص_الفابيتا