دمار الشركات مالياً وتشغيلياً

14/10/2024 2
باسم بن منصور المالك

تدمير الشركات ماليًا وتشغيليًا يعد من أخطر القضايا التي تواجه الإدارة التنفيذية، خاصة عندما تكون القرارات والممارسات التي تبدو في ظاهرها ناجحة، هي في الواقع تحمل بذور الفشل. وهنا أستعرض بعض الممارسات التي قد تؤدي إلى دمار الشركات على المدى الطويل:

1.التركيز على رفع المبيعات بأي ثمن:

غالبًا ما يندفع الرؤساء التنفيذيون نحو تحقيق زيادة سريعة في المبيعات، معتقدين أن هذا هو المؤشر الأساسي للنجاح. ولكن، عندما يترافق هذا التركيز مع ارتفاع تكلفة الحصول على العميل () بشكل غير مبرر، قد ينتهي الأمر بالشركة إلى استنزاف مواردها دون تحقيق الربحية المطلوبة.

مثال:

زيادة الإنفاق على الدعاية والإعلان بشكل مبالغ فيه قد يرفع المبيعات مؤقتًا، ولكن إذا لم يتم حساب تكلفة الاستحواذ بشكل صحيح، كأن يتم دمج العملاء الدائمين ضمن الأرقام الجديدة أو احتساب المبيعات اللاحقة () ضمن التكلفة، فإن الشركة قد تجد نفسها تواجه أزمة سيولة مستقبلاً.

2.تجاهل قياس تجربة العميل:

تركز العديد من الشركات على جذب العملاء الجدد وزيادة مبيعاتها دون إيلاء اهتمام كافٍ لتجربة العملاء الحاليين. قد تحقق الشركة سمعة قوية وتصبح حديث الجميع، ولكن إذا لم تفهم سلوك عملائها بشكل صحيح وتعمل على تحسين تجربتهم باستمرار، فإنها تخاطر بفقدان هؤلاء العملاء بمرور الوقت.

مثال:

قد يشتري العميل منتجًا بناءً على الحملة الترويجية القوية، ولكنه إذا لم يجد ما يلبّي توقعاته في المرات اللاحقة، فقد يتجنب التعامل مع الشركة مجددًا. لذلك، يجب على إدارة التسويق دراسة سلوك العملاء بشكل دوري وتحليل نقاط التفاعل المختلفة، سواء كانت تتعلق بتجربة المنتج مع الأصدقاء أو في أوقات محددة، مما يتيح تخصيص عروض وباقات تناسب احتياجات كل نوع من العملاء.

3.التركيز على شراء أصول ثابتة ومنقولة دون دراسة كافية

قد تعتقد بعض الشركات أن شراء الأصول الثابتة والمنقولة هو استثمار جيد دائمًا، ولكن هذا ليس الحال دائمًا. إذا لم يكن لدى الشركة موارد مالية كافية أو إذا كانت تحتاج إلى الحفاظ على سيولة مالية معينة، فقد يكون الاستئجار لفترات طويلة جدا حلاً أفضل في بعض الحالات من خلال صناديق ريت أو تأسيس صناديق ريت. الاستثمار غير المدروس في الأصول يمكن أن يؤدي إلى تقييد السيولة النقدية وزيادة التكاليف الثابتة، مما يؤثر سلبًا على الأداء المالي للشركة.

مثال:

عند التوسع وافتتاح فروع جديدة، قد يكون من الأفضل استئجار الفروع بدلاً من شرائها، خاصة إذا كانت الموارد المالية محدودة. إذا ارتفعت تكلفة الإيجار بشكل كبير بعد انتهاء العقد، فإن ذلك يمكن أن يؤثر سلبًا على العائد على الاستثمار ويؤدي إلى تراجع الشركة عن استراتيجيتها التوسعية. علاوة على ذلك، فإن عدم استخدام الأصول المنقولة بشكل فعال، مثل شراء معدات لا تستخدم بشكل كافٍ، يؤدي إلى هدر كبير في الموارد.

4.وضع حد صارم لمعدل الاستثمار:

في بعض الأحيان، تضع الشركات حدودًا صارمة للاستثمار، مثل عدم القيام بأي عملية استثمار أو شراء إذا كان العائد المتوقع أقل من نسبة معينة (مثل 12%). رغم أن هذا النهج قد يبدو منطقيًا، إلا أنه يمكن أن يمنع الشركة من الاستفادة من فرص استثمارية قد تكون ذات قيمة على المدى الطويل، المشكلة أن كثير من الشركات لا يوجد لها حد لمعدل الاستثمار.

مثال:

إذا تم تحديد معدل استثمار بنسبة 12%، قد تتجاهل الشركة فرصًا استثمارية تحقق عائدًا بنسبة 10% ولكنها تحمل معها مزايا استراتيجية أخرى، مثل تعزيز التواجد في سوق جديد أو بناء شراكات مهمة. هذا التركيز على العائد المالي الفوري فقط يمكن أن يؤدي إلى فقدان فرص النمو المستدام، والعكس صحيح.

5.التوسع المفرط دون تخطيط استراتيجي:

التوسع السريع دون تخطيط استراتيجي محكم يمكن أن يكون مدمرًا للشركات. قد ترى الإدارة العليا فرصًا للتوسع في أسواق جديدة أو إضافة خطوط إنتاج جديدة، لكن إذا لم يتم تقييم هذه الفرص بعناية، فقد يؤدي التوسع المفرط إلى تجاوز القدرة التشغيلية للشركة، وزيادة التكاليف دون تحقيق الإيرادات والأرباح المتوقعة.

مثال:

شركة تطلق منتجات جديدة في أسواق غير مستعدة لاستقبالها أو بدون وجود بنية تحتية تسويقية ودعم لوجستي قوي. هذا قد يؤدي إلى انخفاض في جودة المنتجات أو الخدمات، وفقدان الثقة بين العملاء الحاليين والمحتملين. كما أن التوسع في الفروع بدون الأخذ في الاعتبار محددات مثل النطاق الجغرافي والكثافة السكانية للعملاء بالإضافة إلى القدرة على المتابعة والمراقبة سيكون ذا أثر سلبي على أداء الشركة.

وهنا قارن بين توسع مطاعم ماكدونلدز وهرفي.

6.الإهمال في تطوير الكوادر البشرية:

تركيز الشركات على الربحية والنمو دون إعطاء الأهمية الكافية لتطوير الموظفين والكوادر البشرية. وعليه تفشل في الاستثمار في تدريب وتطوير موظفيها وقد تجد نفسها عاجزة عن التكيف مع التغيرات في السوق ولمواكبة الابتكارات أو تلبية احتياجات العملاء المتزايدة.

7.تجاهل المخاطر التشغيلية والاعتماد المفرط على مورد واحد أو مصدر دخل واحد:

الاعتماد الكبير على مورد أو شريك واحد يمكن أن يشكل خطرًا كبيرًا على استمرارية الشركة. إذا واجه المورد مشكلة أو قرر زيادة أسعاره بشكل غير متوقع، قد تجد الشركة نفسها في موقف صعب يؤثر على عملياتها وربحيتها.

8.الفشل في الابتكار والتكيف مع التغيرات السوقية

الجمود وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات في السوق قد يؤدي إلى فقدان الشركة لمكانتها التنافسية. الابتكار المستمر والتكيف مع الاتجاهات الجديدة في السوق هو مفتاح البقاء والنمو في بيئة الأعمال المتغيرة بسرعة.

مثل: فقدان شركة جرير حصة سوقية ومبيعات نتيجة عدم الاستثمار والدخول في خدمات اشتر الان وادفع لاحقا مقارنة مع شركة اكسترا.

9.سوء إدارة التدفقات النقدية:

قد تركز الشركات على الربحية ولكنها تهمل إدارة التدفقات النقدية بشكل فعال. حتى الشركات التي تحقق أرباحًا جيدة يمكن أن تواجه مشكلات مالية إذا لم تدير تدفقاتها النقدية بحكمة. عدم توفر السيولة الكافية يمكن أن يؤدي إلى عدم القدرة على دفع الرواتب أو الموردين أو حتى ارتفاع تكاليف التمويل والاقتراض، مما يهدد استمرارية العمليات.

الخلاصة

إدارة الشركات بنجاح تتطلب رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار ليس فقط النمو والإيرادات، بل أيضًا إدارة المخاطر، والتخطيط الاستراتيجي، والابتكار المستمر، وتطوير الموارد البشرية، مع التركيز على النمو المستدام وتحقيق التوازن بين التوسع المالي وتجربة العملاء واستدامة الأصول. الأخطاء في هذه المجالات يمكن أن تؤدي إلى انهيار الشركات، حتى وإن كانت تبدو ناجحة في الوقت الحاضر.

إن الممارسات غير المدروسة التي يعتقد القادة أنها صحيحة تؤدي إلى تدمير الشركة على المدى الطويل. لذلك، من الضروري أن يكون الرؤساء التنفيذيون على دراية بتأثير قراراتهم ليس فقط على المدى القصير، ولكن أيضًا على المدى البعيد.