يبدو صعبًا تجاوز الظهور اللافت عالميًا لتقنيات (الشات جي بي تي)، ورغم أن هذه التقنية يبلغ عمرها أكثر من عام فقط في مجال سريع التطور، إلا أنّ واجهة محادثاتها البسيطة أذهلت الناس حول العالم بقوة الذكاء الاصطناعي، وأثارت جدلًا في وسائل الإعلام عن الكيفية التي ستُحدث بها هذه التقنية ثورة في حياتنا، التعريف البسيط لـ(الشات جي بي تي) هو أنه نموذج لغة ضخم يعتمد على خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية، وهو مجرد فرع واحد من الذكاء الاصطناعي. وتشمل الفروع الأخرى رؤية الكمبيوتر وهي تقنية تُمكّن الآلات من فهم البيانات البصرية، والتحليلات التنبؤية التي تحدّد الأنماط، بما يمكّن من التنبؤ بالأحداث المستقبلية استنادًا إلى بيانات تاريخية (تدريبية). وعلى الأغلب، تنطوي هذه التقنية على إمكانات هائلة، حيث يتوقع المستشارون في شركة برايس ووترهاوس كوبرز أن يسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ يقدر بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030م.
في أرامكو السعودية، لطالما استخدمنا الذكاء الاصطناعي للإسهام في زيادة الكفاءة، وتعلّمنا من ذلك أن قوته تتنامى، لهذا أسّسنا "الممر العالمي للذكاء الاصطناعي"، وهو جزء من إستراتيجية الشركة للإسهام في منظومة مزدهرة في المملكة العربية السعودية، ومن المتوقع أن يصقل مهارات الذكاء الاصطناعي ويعزز الابتكار، ويطور الأفكار إلى منتجات وحلول ملموسة.
التغلّب على التحديات
يُحدِث الذكاء الاصطناعي - عمليًا - تغييرات ضخمة في المؤسسات في أرجاء العالم من خلال إطلاقه العنان للإمكانات القيّمة للتقنيات الأخرى، كما يمكّن الأجهزة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي من جمع البيانات وتحليلها، ومن ثَم اتخاذ الإجراءات المناسبة. ويمكن لهذه المعامل الذكية من تقليل وقت التوقف عن العمل، واستخدام الذكاء الاصطناعي وبيانات الأداء لجدولة إصلاح الآلات ذاتيًا. وهو يسهم في نهاية المطاف في تسهيّل تطوير المصانع والمدن الذكية، حيث يتم تحسّين حركة المرور، واستخدام الطاقة، وخدمات النفايات والمرافق الأخرى، ومن خلال تحليل البيانات المستندة على الذكاء الاصطناعي، يتم تحقيق أقصى قدر من الكفاءة بدون تدخل بشري.
ومع أنّ عددًا من الشركات ما تزال تكافح للاستفادة لأقصى مدى من الإمكانات الكامنة في الذكاء الاصطناعي، لكن يبدو أن الحجم الهائل للبيانات يجعل من الصعب تحديد المعلومات القيمة، لذلك تجد بعض الشركات صعوبة في توسيع نطاقها رغم أنّ لديها عددًا من المشاريع التجريبية للذكاء الاصطناعي، وتكافح شركات أخرى للتغلب على تحديات توظيف الكفاءات الماهرة، لذلك حدّدنا في أرامكو السعودية هذه التحديات وأنشأنا مساراتٍ متعددةً تحت مظلة الممر العالمي للذكاء الاصطناعي للمساعدة على معالجتها، وفي الوقت نفسه، نسعى جاهدين لتحقيق رؤيتنا والارتقاء بالمملكة لتصبح مركزًا عالميًا لابتكار تقنيات الذكاء الاصطناعي.
دورة حياة الابتكار الكاملة
يتكون الممر العالمي للذكاء الاصطناعي في أرامكو السعودية من خمس ركائز: أكاديمية الذكاء الاصطناعي، ومصنع توصيل الذكاء الاصطناعي، والبحث والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، واستوديو المشاريع الناشئة للذكاء الاصطناعي، وبرنامج التدريب في مجال الذكاء الاصطناعي. حيث تُكمل هذه المسارات معًا دورة حياة الابتكار الكاملة، بدءًا من تطوير المهارات وخلق الأفكار إلى الاختبار التجريبي، وهي تهدف في نهاية المطاف إلى تحويل هذه الأفكار إلى أعمال تجارية.
وأكملت أكاديمية الذكاء الاصطناعي تدريب مجموعتها الخامسة. ومن المتوقع أن تخرّج الأكاديمية نوعين من المهندسين: الأول: مهندسو البيانات المؤهلين لتطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي داخل الشركة وعلى المستوى الأكثر تقدمًا، والثاني: علماء البيانات القادرين على تصميم خوارزميات جديدة.
أما مصنع التوصيل، فهو يعمل على أكثر من 45 منتجًا في مجالات متنوعة تبدأ من سلامة المرافق إلى دورة الاقتصاد. كما ينتج البحث والابتكار أفكارًا جديدة لحلول الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت ذاته، من المتوقع إطلاق أستوديو المشاريع الناشئة قريبًا، مما يساعد في تحويل الأفكار والحلول إلى أعمال تجارية، وكذلك البرنامج التدريبي، الذي يركز على تدريب الكفاءات في مجال الذكاء الاصطناعي من الخارج.
يضم الممر العالمي للذكاء الاصطناعي حاليًا حوالي 100 موظف يكرسون جهودهم لتحقيق أهداف طموحة، سواءً وسّعت الشركة من شراكتها الحالية، أو سعت لإطلاق شركات ناشئة جديدة، أو نشر منتجات جديدة للذكاء الاصطناعي.
إطلاق العنان للإمكانات البشرية
تستخدم أرامكو السعودية فعليًا حلولًا طوّرها الممر العالمي للذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، طُبّق أحد الحلول لإدارة تآكل الأجزاء الداخلية للأنابيب بسبب الغاز الخام. في العادة، يستغرق إغلاق وفحص الآلاف من خطوط الأنابيب وقتًا طويلًا ومكلفًا، ولكن باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن تحليل البيانات من أجهزة الاستشعار في الأنابيب لتحديد احتمالية التآكل، وإذا تجاوزت هذه المستويات حدًا معينًا لفترة محددة، فيجب إجراء فحص، هذا النهج يسهم في تقليل وقت التوقف ويوفر المال.
يقدّم لنا الذكاء الاصطناعي أيضًا مزايا تتجاوز حقول النفط والغاز لدينا. ونعتزم التركيز على المجالات الأساسية في كل قطاعات الشركة، ومن ذلك، الشؤون المالية، والأعمال التشغيلية، وإدارة سلاسل الإمداد، والموارد البشرية. وعلى سبيل المثال، يحلل الذكاء الاصطناعي ملايين السجلات المُنتجة يوميًا في أرامكو السعودية، ويصنّف مخاطرها، ويحدد تلك التي من المرجح أن تستدعي اهتمام المحللين. وقد كانت هذه العملية في السابق تنفذ يدويًا.
هذه الأدوات لها فوائد هائلة، وتحرر البشر من المهمات الروتينية إلى معالجة القضايا الأكثر تعقيدًا. وبينما تسعى الشركة إلى مواصلة تطوير ومشاركة هذه الأدوات مع شركائها، فإننا نطمح أيضًا إلى تحسين أعمال قطاعاتها من خلال إطلاق العنان لقدرات جديدة، وحتى تكون الشركات الجديدة قادرة على المنافسة في المستقبل، يجب عليها استخدام الذكاء الاصطناعي منذ البداية، بينما يتعيّن على الشركات الحالية الاستعداد للتكيّف، لأنّ الذكاء الاصطناعي يمكّن من الدخول في حقبة جديدة من النمو والتحوّل في المملكة وحول العالم.