ارتفاع معدلات الفائدة بعد إعلان خفض الفائدة؟

22/09/2024 5
د. فهد الحويماني

الإجابة عن التساؤل في عنوان المقال سنجدها فيما يلي، ونبدأ بالإشارة إلى أن كثيرا من المتابعين للأسواق المالية يعتقدون أن المتداول العادي في سوق السندات أكثر اطلاعاً وأعلى احترافية من المتداول العادي في سوق الأسهم، على الأقل فيما يخص جوانب الاقتصاد الكلي، كأسعار الفائدة والتضخم وعرض النقود والبطالة وغيرها، ولذا يحاول محترفو الأسهم عادة قراءة تصرفات محترفي السندات لاستكشاف المستقبل الاقتصادي وبالتالي تأثير ذلك في أسعار الأسهم في المستقبل. كيف لنا أن نعرف ما يدور في أذهان متداولي السندات؟ وكيف تتجاوب أسواق السندات مع تقلبات أسعار الفائدة الرسمية؟

لمعرفة رأي سوق السندات حول الاقتصاد فالطريقة بسيطة وتتم عن طريق قراءة منحنى عوائد السندات، الذي نعرف أنه في حالة انعكاس منذ نحو عامين، والمقصود بالانعكاس أن أسعار الفائدة على المدى القصير أعلى منها على المديين المتوسط والطويل، فنجد معدلات الفائدة لأقل من عام في حدود 4.5% بينما هي 3.5% لمدة 3 سنوات، ونحو 4% لمدة 30 عاما. لذا فسوق السندات منذ فترة وهي تعطي إشارات متزايدة لاحتمال وقوع ركود اقتصادي، وزادت حدة هذه الإشارات منذ أبريل الماضي حين وقع المنحنى في حالة انعكاس أكبر، حيث واصل عائد سندات 10 سنوات الهبوط من 4.7% إلى 3.6% مباشرة قبل إعلان الفيدرالي الأمريكي عن خفض معدل الفائدة بمقدار 0.5%. بعد الإعلان سيبدأ المنحنى في الاعتدال قليلاً، فتنخفض العوائد القصيرة وتستقر أو ترتفع قليلاً العوائد المتوسطة والبعيدة.

من المعروف أن خفض معدل الفائدة من المفترض أن يؤدي إلى خفض معدلات الفائدة في جميع نقاط منحنى عوائد السندات، بما في ذلك تكلفة التمويل العقاري، لكن ذلك لم يحدث هذه المرة، بمعنى يمكننا أن نسأل هل خفض نصف نقطة مئوية يعني خفض العوائد وتكاليف الاقتراض بمقدار 0.5%؟ بالطبع هذا غير صحيح، أولاً إن خفض الفائدة المعلن هو فقط للسعر المستهدف لمعدل الفائدة الرسمي (معدل التمويل الفيدرالي)، فهو لا يعني الخفض الفوري ولا يعني من جهة أخرى أن البنوك ولا السندات مجبرة على الأخذ به، والأمر الآخر إن الخفض يؤثر في الفائدة على المدى القريب، وليس بالضرورة على المديين المتوسط والبعيد، أي إنه حتى بعد استيعاب معدل الفائدة الجديد فليس بالضرورة تفاعل العوائد الأخرى مع المعدل الجديد. وأخيراً أهم سبب لعدم استجابة معدلات الفائدة، بل ومعاكستها لتوجه الفائدة الرسمية، يعود للظاهرة المعروفة التي تقول "اشتر على الإشاعة وبع على الخبر".

هذه المقولة ليست بالسذاجة الظاهرة، فالحقيقة إن الناس تتفاعل مع التوقعات، وليس مجرد الإشاعة، فتقوم بالتصرف بحسب التوقعات وبعد صدور الخبر وانجلاء الضبابية تكون الأصول مسعرة بما يكفي وتكون هناك حالة تشبع تنعكس معها الأسعار. فمثلاً منذ عدة أشهر وعوائد السندات تنخفض بسبب توقعات خفض الفائدة، وحدث بالفعل انخفاض كبير بأكثر من 1% في بعض السندات، وحتى سندات 30 عاماً التي تحدد تكلفة التمويل العقاري انخفضت من 4.9% قبل بضعة أشهر إلى 3.9% قبل الإعلان، لذا ليس بالمستغرب ألا تتفاعل معدلات الفائدة بعد ذلك كما ينبغي.

بقيت النقطة المهمة وهي أن قراءة سوق السندات الآن تشير إلى أن المحترفين ربما يستبعدون وقوع ركود اقتصادي، وإلا لرأينا معدلات الفائدة تنخفض أكثر، كذلك يتضح أنهم غير مقتنعين بابتعاد شبح التضخم، فهم يرون معدلات الفائدة مستقرة إلى مرتفعة عن مستوياتها الحالية، كما يتضح في تجاوب السندات المتوسطة والطويلة. أما من ناحية أسواق الأسهم، فالإشكالية أن خفض الفائدة يأتي أثناء ارتفاعات تاريخية لأسعار الأسهم، بينما في أحداث سابقة جاء خفض الفائدة لينتشل الأسهم من القيعان ويعالج ركودا اقتصاديا قائما ومؤكدا، ومع ذلك من المتوقع للشركات التي تعتمد بشكل أكبر على الفائدة، كالشركات الصغيرة والشركات ذات التكاليف الرأسمالية الكبيرة، أن تستفيد من خفض الفائدة متى وجد الخفض طريقه إلى تكاليف الاقتراض على المديين المتوسط والبعيد.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية