في عام 2009، اجتمعت مجموعة من نوابغ "فيسبوك"، من أقسام البرمجة وهندسة الاتصالات والإلكترونيات تحديدا، لبضعة أيام بتكليف من قيادات الشركة لحل مشكلة التفاعل على موقع التواصل الاجتماعي، بعد خمسة أعوام من انطلاقه كوسيلة للتواصل بين الطلاب في جامعة هارفارد الأمريكية العريقة. كانت التعليقات المكتوبة هي الوسيلة الوحيدة آنذاك للتعبير عن الرأي، وكان أمرا مزعجا لعديد من المستخدمين، الذين عزفوا تدريجيا عن التفاعل، اعتزل هؤلاء الأشخاص العالم ليوم أو يومين، وخلت العقول الماهرة لبعضها البعض في عصف ذهني بديع، بعيدا عن الأخبار المزعجة، أو حتى تصفح مواقع الإنترنت، ليخرجوا باختراع غيَّر مفهوم التواصل كليا إلى اليوم، ليس فقط لسهولة التعبير عن رأي في منشور ما فحسب، بل إنه حرفيا يرصد كل ما يدور في ذلك العالم الافتراضي. فمبجرد الضغط على المُنتج المُبتكر، "زر الإعجاب"، تُحلل "اللوغاريتمات" العجيبة سيلًا من المعلومات المتدفقة، والتي يستفيد منها ذكاؤها الاصطناعي الشركات، ووسائل الإعلام في معرفة دائرة اهتمامنا، بدءا بالمنتجات، ومرورا بالهوايات وليس انتهاء بالآراء السياسية! لم تعد شبكة التواصل مجرد موقع لمتابعة الأصدقاء بعد ذلك الاختراع.
وفي عام 2020، عقد مجلس الابتكار التابع للمفوضية الأوروبية فعالية عبر الإنترنت لمدة ثلاثة أيام بهدف إيجاد أفكار إبداعية في حقبة ما بعد كوفيد في هذه المجالات: الصحة والحياة، والأعمال المستدامة، والتماسك الاجتماعي، والعمل والتعليم عن بُعد، والتمويل الرقمي. قدم نوابغ من حول العالم أكثر من 100 فكرة رائعة.
ويُعرف هذان المثالان السابقان على نطاق واسع باسم "الهاكاثون"، وهو مفهوم يجمع بين كلمتين في اللغة الإنجليزية: "هاك"، والتي ترتبط في هذا السياق بالابتكار التكنولوجي، و"ماراثون" الركض. وتُعد الفعالية بمثابة وسيط للمعرفة من أجل التوصل إلى تصميمات واختراعات، وفي تنافس محتدم على جوائز مالية قيمة.
ودائمًا ما تكون النتائج مبهرة لأنها تساعد على تحقيق النمو والنجاح على المدى الطويل في أسواق ومجالات سريعة التغير. وقد بدأت بعض أنجح الشركات الناشئة في العالم اليوم من منافسة "هاكاثون"، التي تستمر عادة لبضعة أيام فقط سواء كان ذلك وجها لوجه أو عبر الإنترنت. إنها طريقة سريعة وفعالة توفر سنوات من عملية البحث والتطوير، التي على الرغم من أهميتها، تتطلب موارد مالية وبشرية هائلة، لذا تُمثل ركيزة أساسية لصناعات كبيرة ومعقدة، كصناعة الأدوية.
لنأخذ "هاكاثون" الشركات الناشئة الأمريكية (ستارت أب ويك إِند) الشهير كمثال على ذلك. بدأ الحدث، الذي يستغرق 54 ساعة، في عام 2007 ولا تزال المنافسة تعقد حتى الآن. إحدى الأفكار الفائزة في نسخة عام 2012 هي اليوم تطبيق "كاروسيل" الشهير في الولايات المتحدة، وهو تطبيق لتبسيط عملية بيع الأثاث المنزلي المستعمل وغير المرغوب فيه. وجمعت الشركة الناشئة في الجولة الثالثة من مرحلة التمويل حوالي 80 مليون دولار.
ولا تقتصر فائدة "الهاكاثون" على الشركات أو مسؤولي التوظيف الذين يحضرون لاكتشاف المواهب فحسب، بل أيضاً تمتد لتشمل الاقتصاد الكلي للبلدان. فلنأخذ قطاع السفر والسياحة في إيطاليا كمثال. فقد ساهم القطاع بحوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي للبلد الأوروبي، أو حوالي 215 مليار يورو. كان هذا الرقم تقريباً نفس ما كان عليه في عام 2019، وهو العام الذي سبق جائحة كوفيد-19. وأُقيم "هاكاثون" في عام 2020 تحت عنوان "هاك فور ترافيل"، وقد جمع بين مهارات ومواهب متنوعة عبر الإنترنت وسخّر قوة البيانات المفتوحة لتقديم حلول عملية واستراتيجيات لإنعاش هذا القطاع الحيوي في فترة كورونا ومتحوراتها، والتي غيرت سلوكيات السائحين في جميع أنحاء العالم بشكل كبير طيلة عامين.
ولا يتعلق الأمر دائماً بالمصلحة الاقتصادية. فأحد الجوانب المهمة التي تحث رواد الأعمال إلى استثمار الوقت والمال في تنظيم نشاط مثل "هاك فور ترافيل" هو الدوافع الأخلاقية للمساعدة في إيجاد أفكار إبداعية في مجالات مختلفة يمكن أن تفيد الدول والشركات والأفراد الآخرين في جميع أنحاء العالم، وليس إيطاليا فحسب، وهو ما صرح به منظمون للحدث آنذاك، حيث كان الجميع يواجه حالة من عدم اليقين والقلق التي أثارتها الجائحة. أراد المنظمون أيضاً القيام بشيء إيجابي في وقت أزمة مُستفحلة.
كم جميل أن تشترك الكثير من الجهات الفاعلة بما في ذلك الحكومات وشركات راعية من القطاع الخاص من أجل قضية نبيلة دون أن يتقاضى أحد منهم أجراً، بحيث يتوصل الشباب الموهوبون والمتمرسون في مجال التكنولوجيا، وبدعم من خبراء متطوعين، إلى حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أوجدها وباء كورونا!
ولكن هناك سؤالًا مهمًا حول نظام "الهاكاثون"، وهو هل تستمر مشاريعه بعد انتهاء الحدث؟ تُظهر الأبحاث الأكاديمية أن ثلث فعاليات "الهاكاثون" فقط تستمر بعد انتهائه، إذ تفتر الحماسة بسرعة بعد الأيام القليلة الأولى للمشاريع أو الأفكار الواعدة التي لم تفز، وعموما تستمر 5% فقط من جميع المشاريع لمدة لا تتجاوز الأشهر الخمسة بعد الفعالية.
ولكن من المرجح أن تستمر فكرة تمخضت عن"الهاكاثون"، بعد انتهاء الفعالية، إذا كانت امتداداً مباشراً لمنتج موجود بالفعل لدى إحدى الشركات التي تشارك بعقولها النابغة، والتي تستثمر لاحقاً في النموذج الأولي لتطوير المنتج، بفضل الاحتكاك بمهارات مختلفة والاستفادة من أفكار متنوعة في القطاع ذي الصلة أثناء الفعالية.
فحتى لو لم تصل أفكارك إلى القائمة القصيرة الفائزة، فالتخطيط والاستمرارية على المدى الطويل أمران حيويان ربما لشركة ناشئة جديدة وثمرة لـ "هاكاثون"، يُمكنها جذب المستثمرين والمساهمين لجمع التمويل اللازم في المراحل الثلاثة الأساسية. وتذكر دائمًا مثال "فيسبوك"، الذي يُعد خير دليل على أن الأفكار الإبداعية والقيمة تأتي أحيانا من عباقرة ومهارات في فريقك أنت!
إسلام زوين، الرئيس التنفيذي لـ"أرقام".
دائماً تتحفنا بمعولومات وموضوعات مميزة الخمسة بالمئة من الافكار إن استمر استثمارها تعتبر مخرجات مثمرة فكم من المؤتمرات والندوات عقدت وصرف عليها أموالًا طائلة ومع ذلك لايرى (بالضرورة) نتائج ملموسة الآثار الغير مباشرة ( وربما تكون غير مرصودة ) لها دور ايجابي ومستمر في تحفيز الابتكارات والتطوير وغيرها كثير