هناك عدة تغيرات على مستوى السياسات النقدية في عدة دول، وعلى صعيد التقلبات الاقتصادية، حيث بدأنا نلحظ ازدياد حدة التذبذب في الأسواق المالية، وبالطبع هناك أسباب كثيرة ومتنوعة تؤثر في الأسواق المالية، لكن هنا نتحدث فقط عن تأثير تقارب فروقات معدلات الفائدة بين الدول، مثلاً فرق الفائدة في الولايات المتحدة عنها في اليابان أو أوروبا، وبالذات ما استجد على صعيد السياسة النقدية في اليابان، حيث بدأ الفارق بين معدلي الفائدة الأمريكي والياباني في التقلص، فما تأثيرات تقارب معدلات الفائدة بين الدول في الأسواق المالية، وبشكل عام في الأنشطة الاقتصادية؟ لسنوات طويلة كان الفارق بين معدلي الفائدة في أمريكا واليابان كبيرا، وبسبب ذلك ازدهرت تجارة التعامل بفروقات الفائدة، ما يعرف بـ carry trade، وازداد الفارق منذ 2022 نتيجة الرفع المتواصل لأسعار الفائدة الفيدرالية في أمريكا، مع إصرار بنك اليابان على إبقاء معدلات الفائدة قريبة إلى الصفر وما دونه، لكن بنك اليابان تخلى عن سياسته المتراخية هذه حين بدأ التضخم في الارتفاع في العامين الماضيين، حيث وصل إلى 4.3% في أول 2023، والآن في حدود 2.8%.
أهمية نشاط المتاجرة بالفائدة أن له تأثيرا في تحرك الأموال بين الدولتين، فالذي يحصل أن المستثمرين يقومون بتنفيذ عمليات اقتراض بالعملة ذات الفائدة الأقل نسبياً والاستثمار في أدوات دين بالعملة ذات الفائدة المرتفعة، فتخرج الأموال من الين إلى الدولار، وينخفض سعر صرف الين مقابل الدولار. ومع تقلص فارق الفائدة تتناقص حركة هذه الأموال وتضطر إلى التوجه إلى أماكن أخرى بحثاً عن العائد المناسب، المتاجرة بفارق الفائدة لن يتوقف بسبب ارتفاع الفائدة في اليابان، لكن سيقل نشاط هذه العمليات التي كانت تغذي الدولار الأمريكي وتدعم قوته لسنوات طويلة، وذلك أحد أسباب تردد الفيدرالي الأمريكي في اتخاذ قرار خفض الفائدة، بمعنى أن جيروم باول يخشى تراجع الطلب على الدولار في حال استمر تقلص الفارق بين معدلي الفائدة، إلى جانب أن الطلب على السندات الأمريكية قصيرة المدى سيتراجع كذلك في حال تم تخفيض معدل الفائدة، وهي السندات التي تعتمد عليها وزارة الخزانة في سد عجز الميزانية.
من المهم الإشارة إلى أن إبقاء معدلات الفائدة على المدى القصير مرتفعة مهم جداً لإغراء المستثمرين بالقبول بمعدلات فائدة عالية، لكن ذلك فقط على المدى القصير، وذلك من أجل إبقاء منحنى معدلات الفائدة بشكله المقلوب غير الطبيعي، بالطبع هناك أسباب أخرى تفسر سبب التخوف من خفض معدل الفائدة في أمريكا، كون ذلك سيغذي التضخم الذي لا يزال يهدد الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي لن يخاطر الفيدرالي بخفض مبكر، ومع ذلك يبدو أن استمرار عمليات المتاجرة بفروقات معدلات الفائدة مهم للفيدرالي الأمريكي، ومن مصلحته استمرارها، وعليه أن يتعامل مع قرارات بنك اليابان بحذر شديد. أسلوب المتاجرة بفروقات معدلات الفائدة يخالف نظرية تكافؤ معدلات الفائدة، التي تقول إنه من المفترض ألا يكون هناك مجال لاستغلال اختلاف معدلات الفائدة بين الدول، لأن الأسعار المستقبلية لصرف العملة تأخذ كل ذلك في الحسبان وتزيل أي عائد يسعى المستثمر إلى تحقيقه.
ولو نظرنا إلى العقود المستقبلية على الين مقابل الدولار فسنجد أن المستثمرين يراهنون على ارتفاع الين في الأشهر المقبلة، ما يعني أنه على الرغم من اختلاف معدلي الفائدة بين الدولتين من المفترض ألا يستطيع مستثمر تحقيق عائد مالي أعلى مما هو متاح في كل دولة، لكن المضاربين لديهم آراء أخرى ويراهنون على مخالفة هذه النظرية للواقع. ليس بالأمر الهين أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بتخفيض الفائدة دون دراسة جملة من التأثيرات الحادة التي قد تتسبب في اختلالات كبيرة في الأسواق المالية، وتحركات الأموال، والنشاط الاقتصادي، وحرية الخزانة الأمريكية في إصدار السندات قصيرة المدى وعدم الوقوع في التزامات مالية طويلة المدى، كما قد يحدث في حال الإفراط في طرح سندات طويلة المدى حالياً، إلى جانب مراقبة تحركات بنك اليابان وتأثيرها في تقليص فارق الفائدة بين البلدين.
نقلا عن الاقتصادية
مقال رائع وشرح محترف شكراً دكتور اقرى مؤلفاتك عن السوق الامريكي من 28 سنة وانا اراك عضيم كما كنت اطال الله عمرك ونفع بعلمك الجميع
تحياتي لك دكتور أتذكر أن لك مقال هنا عن تكافؤ معدلات الفائدة وأن هذا التكافؤ يحد من عمليات المتاجرة باستغلال تفاوت سعر الفائدة ولكن ما شهدناه في الأسواق العالمية الأسبوع الماضي بسبب carry trade قد لا يكون السبب الوحيد لكنه بشكل عام كان أحد عوامل الهبوط في الأسواق العالمية ، أظن ذلك يحتاج أن تسطر لنا مقالا خاصاً يربط ويحلل ما بين تكافؤ معدلات الفائدة و carry trade ونستقي منه أيهما أقرب لواقع الأسواق