كثيرون منا لا يختارون وجهاتهم السياحية، بل هي التي تختارنا، أو بالأحرى تشدنا إليها أحيانا، لأنها تجنبنا عناء الانتظار طويلا للحصول على تأشيرة دخول، وبعد حجز تذاكر الطيران والفنادق كإثبات، وتقديم أوراق لا أول لها من آخر. لذا، فعندما نقدم اليوم عبر الإنترنت للحصول على تأشيرة المملكة المتحدة بسهولة بالغة، أو الحصول على تأشيرة دول الاتحاد الأوروبي "شينغن" لخمس سنوات متصلة، فضلا عن الدخول بدون أي تأشيرة لدولة مثل ماليزيا، نشعر أننا نحن الذين نملك قرارنا ونحدد وجهتنا، ولا شك أن هناك عوامل محددة لعبت دورا كبيرا في السنوات القليلة الماضية في تحسين الترتيب العالمي لجواز السفر السعودي، على رأسها تحسين بيئة الأعمال وجاذبية الاستثمار، بالإضافة إلى سياسة دبلوماسية بنت جسورا مع قوى إقليمية وعالمية، الأمر الذي ساهم في تعزيز مكانة المملكة في مؤشري "هينلي" و"باسبورت انديكس"، اللذين يعتمدان على بيانات من اتحاد النقل الدولي والحكومات حول العالم على التوالي، لتصنيف جوازات السفر الأقوى من حيث حرية تنقل مواطنيها.
ويحتل جواز السفر السعودي اليوم المرتبة الـ 56 عالمياً، مما يمكن المواطنين السعوديين من دخول 88 دولة بدون تأشيرة مسبقة، أو بتأشيرة عند الوصول، أو تأشيرة إلكترونية. أما بالنسبة لمؤشر "باسبورت انديكس"، فإن العدد يرتفع إلى 103 دول، وهو ما يعني أن المواطن السعودي يستطيع السفر إلى 52 دولة بدون تأشيرة و44 دولة بتأشيرة عند الوصول، و7 دول بتأشيرة إليكترونية. إذن، توجد 95 دولة تحتاج إلى تأشيرة مسبقة، منها 15 دولة في أفريقيا، و 14 دولة في أمريكا الشمالية والجنوبية، ودول الاتحاد الأوروبي الـ 27 (تأشيرة الشنغن)، ولكنها لخمس سنوات الآن بعد اتفاق مؤخرا دخل حيز التنفيذ في أبريل الماضي، ودول مثل الصين وأستراليا واليابان، التي تستقطب عددا كبيرا من الزوار سنويا، إضافة لمجموعة من الدول الآسيوية المتفرقة مثل منغوليا وكوريا الشمالية وبابو غينيا الجديدة (الملاصقة لإندونيسيا) وميانمار وأفغانستان وتركمانستان.
إذن ليس الهدف هو العدد، بل النوعية والأولوية، وهوما تحتاجه الغالبية العظمى من المسافرين السعوديين، فقد يتيح الجواز السفر بلا عناء إلى بعض دول أمريكا الجنوبية حيث لا توجد رحلات مباشرة، وبالتالي سيفصلني عنها ما يقارب 14-24 ساعة من السفر والترانزيت، أو دخول دول مختلفة في وسط أفريقيا قد لا يتطلع العدد الأكبر منا السفر اليها وقضاء عطلات منتصف العام. وبالإضافة إلى تأشيرة شينغن التي تصل إلى خمس سنوات، نستطيع أيضا الحصول على تأشيرة الولايات المتحدة لـ 10 سنوات عبر القنصليات والسفارات، والتي تفتح السفر لـ 13 بلدا في أمريكا اللاتينية والوسطى، ويمكن للمواطن السعودي تجديد التأشيرة بعد انقضاء السنوات العشر عبر البريد ، كما يمكن له أيضا أعادة التقديم لتأشيرة شنغن عبر الإنترنت بدون الحاجة لإدخال البصمة البيومترية مجددا. إذن، نحن نتحدث عن تسهيل الدخول إلى أكثر من 40 دولة قد يحتاج المواطن السفر إليها آجلا أو عاجلا.
إن إدارة تصنيف جواز السفر حتى يصل إلى مستويات متقدمة مثل العلامة التجارية المدارة بشكل جيد، والتي تفتح المزيد من الفرص. ولنضرب مثالا بسنغافورة لأنها تمتلك اليوم أقوى جواز سفر في العالم. فمنذ استقلالها في عام 1965، روجت سنغافورة لنفسها كبلد صناعي نامٍ ومتقدم وحيوي للمستثمرين. وهي اليوم تتمتع بسمعة عالمية، حيث أصبحت مركزًا تجاريًا عالميًا رئيسيًا للأعمال التجارية، وعلى الرغم من عدم امتلاكها لموارد طبيعية، وذلك من خلال الاعتماد بشكل كبير على الدعاية والتسويق لسياساتها لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وقد أظهرت البلاد خصائص معززة للأعمال التجارية مثل رأس المال المخاطر والترويج المكثف بطريقة منهجية. وهكذا، تمكنت على مر السنين من زيادة الحراك العالمي للأشخاص ورؤوس الأموال. وتلعب الاستراتيجيات الدبلوماسية السليمة والبراغماتية القائمة على المرونة فيما يتعلق بالجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية المعقدة دورا كبيرا في تعزيز جواز سفر الدولة أو إضعافه، وهو الأمر الذي يؤخذ بعين الاعتبار في التصنيف السنوي العالمي لجوازات السفر. روسيا، على سبيل المثال، تراجع ترتيب جواز سفرها أربع مراتب العام الماضي ليستقر عن المرتبة الـ 54 عالميا، بسبب حربها في أوكرانيا. مثال آخر، تمكنت كوريا الجنوبية من التوصل إلى اتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي لدخول مواطنيها دون تأشيرة مسبقة واعتبارًا من العام المقبل من خلال تأشيرة عبر الإنترنت يمكن منحها في بضع دقائق. كما يحق للكوريين الجنوبيين أيضاً الإقامة في العديد من دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك الدول الثلاث الكبرى ألمانيا وفرنسا وإسبانيا لمدة تصل إلى 90 يوماً بموجب اتفاقيات دبلوماسية ثنائية.
وأبرمت كوريا الجنوبية اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية أدرجت بموجبها مواطنيها في برنامج الإعفاء من التأشيرة، مما لهم السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للسياحة أو العمل لمدة 90 يومًا أو أقل دون الحصول على تأشيرة.
إذن، عندما نستعرض العوامل الرئيسة التي تقف وراء تحسين تصنيف جواز السفر العالمي للدول، قد يفكر يفكر الكثير من الناس للوهلة الأولى في السفر الشخصي أو مهمة العمل الخالية من متاعب التقديم على تأشيرة دخول عندما يتعلق الأمر بجواز سفر قوي. لكن الأمر أكبر من ذلك، إذ يتعلق بكيفية تسخير البلد إمكانات اقتصادية وسياسية بطموح لا حدود له. يتقدم جواز السفر السعودي في الترتيب العالمي سنة تلو الأخرى، ولكن لا تقلل أبداً من أهمية الصبر، فهو يؤتي ثماره خاصة عندما يتعلق بالاستثمارات المستدامة، لا سيما في علامة وطنية بارزة.
