أسعار الصرف الاسمية والحقيقية وتبعاتها

30/07/2024 0
د.صالح السلطان

سعر صرف عملة بعملة أخرى، المعتاد على سماعها، لا تعكس فروقات مستوى الأسعار بين دولتي العملتين، ولذا يسمى فنيا سعر الصرف الاسمي. وهذا السعر إذا أعيد بناؤه بمراعاة أسعار سلة سلع وخدمات بين الدولتين أو بين دولة ودول أخرى يسمى فنيا سعر الصرف الحقيقي، هناك تعريف أو تصور آخر لكنه مقارب لسعر الصرف الحقيقي، بأنه أسعار سلة تحوي كل السلع القابلة للتجارة دوليا، سواء كانت مستوردة أو مصدرة، ،محسوبة على أساس أسعار السلع والخدمات غير القابلة للتجارة دوليا. هذا التعريف يراه اقتصاديون أكثر فائدة عند رسم السياسات الاقتصادية، خاصة في الدول المعتمدة على تصدير سلع أولية، كالسعودية، وفقا لنظرية القوة الشرائية Purchase Power Parity (PPP)، ينبغي السماح لسعر عملة بلد ما بالارتفاع عندما يقوى الطلب على صادرات تلك الدولة، والسماح لها بالانخفاض عندما تضعف سوق صادراتها (بافتراض وجود تجارة حرة). تبعا لهذه النظرية الاقتصادية، تعمل الضغوط لمصلحة رفع سعر الصرف الاسمي والحقيقي لعملات الدول النفطية (كالريال) إبان الطفرة النفطية. وتعمل على خفض سعر الصرف إبان الهبوط النفطي.

لكن النفط سلعة أولية تتميز بدورات قوية من الطلب والعرض وصعود وهبوط الأسعار. وتثبيت سعر الصرف إزاء عملة أو سلة عملات، مع وجود تلك الدورات الحادة في أسعار وإيرادات الصادرات مثل النفط، يجعل الاعتماد الشديد على إيرادات الصادرات يتسبب في وجود صعوبات ومتاعب، عندما تنخفض أسعار النفط (ومن ثم إيراداته، وهي بالدولار)، انخفاضا ملموسا، فإن سعر صرف الريال بالدولار يبدو مرتفعا أكثر من اللازم. لكن يصعب على السلطات النقدية أو الحكومة خفض أسعار الصرف لتبعاته الكثيرة على الاقتصاد، منها غلاء الأسعار (التضخم)، لكن عندما يشتد الطلب على الصادرات النفطية، مثلا، وتزيد إيراداته بصورة قوية، فإن الضغوط التي تقول بوقوعها النظرية الاقتصادية السابقة، تجد مسارا مسدودا في دفع أسعار الصرف الحقيقية لترتفع، نظرا لتثبيت أسعار الصرف، ومن ثم تأخذ طريقها عبر التضخم. هذا في الأجل القصير.

لكن لو اتبعت سياسات ترفع سعر الصرف الحقيقي، مثلا نتيجة ارتفاع ملموس في الدخل ذي المصدر الخارجي، فإن هذا الارتفاع لا يخلو من سلبيات. مثلا هذا الارتفاع يتسبب في إضعاف القدرة التنافسية السعرية للسلع المنتجة محليا. ويؤدي ذلك إلى التوسع في الاستيراد والإضرار بنمو القطاعات المنتجة لسلع وخدمات ممكن استيرادها. وتبعا، يحدث إضرار بجهود تنويع مصادر الدخل، وترسيخ النمو الاقتصادي، بزيادة إسهام القطاعات غير النفطية وصادراتها مثلا، وهما إستراتيجيتان في الرؤية، كما يعمل الارتفاع السابق في إحداث تأثيرات ضارة من جهة الإنفاق. الرواج السريع يؤدي إلى زيادة الدخل ومن ثم الإنفاق الاستهلاكي. ومن السهل أن يركز المرء على التأثيرات الآنية وقت طفرة إيرادات النفط، وينسى ما بعد الطفرة. لأن الإنسان خلق هلوعا. سيكون من الصعب على الناس التأقلم مع انخفاض الدخل. وضعف التأقلم يجر إلى متاعب ومشكلات.

على المدى الأبعد، النفط مورد له بدائل نسبية من جهة، وهو غير متجدد من جهة أخرى، حتى لو بقي عشرات السنين، فسيأتي وقت تجف فيه الآبار، ومن هنا تفهم تركيز الرؤية على إستراتيجيات تنويع مصادر الدخل، وترسيخ النمو الاقتصادي، خلال السنين، تعرضت أسعار سلع أولية لدورات صعود وهبوط. وتسبب الهبوط في تعرض عملات عدد من الدول المصدرة لسلع أولية كروسيا وإندونيسيا والأرجنتين ومكسيكو، تعرضها للانخفاض تحت الضغوطات -حسب النظرية الاقتصادية- لكن من خلال ثمن باهظ تمثل في أزمات نقدية مؤلمة، وفقدان ثقة مستثمرين، وركود اقتصادي.

وأخيرا اقترح البروفيسور فرانكل Frankel (أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، المتخصص في الاقتصاد الكلي والنقدي والمالية الدولية) نظام سعر صرف جديد، سمي ربط سعر الصرف بسعر الصادرات أو ربط السعر التصديري peg export price (PEP). وهو مقترح في تطبيقه محاسن وسلبيات. والمجال لا يتيح مزيد توضيح. وبالله التوفيق.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية