ازدهار اقتصادي تحت معالم السياسات العامة

16/07/2024 0
د.صالح السلطان

نحن البشر مجبولون على حب الثروة، والرغبة في تحسين مستوى المعيشة وتحقيق مزيد من الرزق والثروة والدخل. ولكن لا يمكن أن يتحقق ذلك دون وجود توسع ونمو، أي ازدهار في اقتصاد أي بلد. وكل ذلك بفضل الله وتوفيقه، فهو الرزاق، ارتبط عبر سنين في ذهن كثيرين أن تحقيق مزيد رزق، أي نمو وانتعاش اقتصادي في بلادنا مشروط بزيادة الدخل من النفط. لكن رؤية 2030 عملت على تغيير هذا النمط من التفكير. وقد أكدت جهات دولية كصندوق النقد الدولي، في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 أن السعودية تشهد تحولا ونموا اقتصاديا غير مسبوق، وأن التضخم المصاحب له في انحدار، السؤال التالي ما وراء هذا التحول والنمو؟ ساعدت السياسات العامة من مالية وكلية في تحقيق التحول. لقد أجريت إصلاحات كبيرة في المالية العامة والبيئة المحفزة للأعمال. هي إصلاحات أعطت دفعة قوية للنمو غير النفطي وفي الحد من التضخم. وكل ذلك طبعا بفضل الله سبحانه. ونسأله سبحانه أن يحفظ زخم النمو الاقتصادي.

يمكن للسياسات العامة الحكومية في أي بلد أن تعمل على تحسين أو عكسه تثبيط نمو وإنتاجية كل أو بعض عوامل الإنتاج، فنمو الاقتصاد. والسياسات العامة هنا يجدر أن أشير إلى أنها تعبير واسع يدخل فيه كل القرارات والتنظيمات والإجراءات الحكومية الحاكمة لعوامل الإنتاج والأنشطة الاقتصادية عامة. وبحمد الله شهدنا في بلادنا تحسنا واضحا في تلك السياسات. وشهدنا اقتصادا غير مسبوق في نوعه ومستواه، وبنظرة عامة على المستوى العالمي، هناك ثلاثة عوامل أساسية لا يمكن في أي بلد في العالم أن يكون هناك أصل إنتاج ونمو دونها، خاصة على المدى الطويل. وفعالية السياسات العامة تندرج تحت هذه العوامل الثلاثة: رأس المال البشري، ورأس المال المادي، والتقنية بمعناها العام الأشمل، الذي يندرج تحته أي مستوى تقتني سائد. وحيث إن النمو الاقتصادي يقاس بنمو الإنتاج، فإن تحسين كل أو أحد عوامل الإنتاج الثلاثة كما و/أو كيفا بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج الذي هو محور وأساس تحقيق نمو اقتصادي.

في بلادنا، النشاط الاقتصادي غير النفطي سواء بالأسعار الاسمية أو الحقيقية أي باستبعاد تغير الأسعار، هذا النشاط قوي رغم تباطؤه النسبي في العام الماضي حيث تباطأ النمو من 5,3% عام 2022 إلى 3,8% عام 2023. وللعلم، شهد العالم تباطؤا أشد لعوامل على رأسها استمرار تداعيات بعض الأزمات العالمية. رغم هذا التباطؤ فالنسبة في بلادنا لا تزال قوية، بحمد الله، مدعومة بالاستهلاك الخاص والاستثمارات غير النفطية، ماذا عن العطالة؟ سجلت معدلات العطالة انخفاضات ملموسة. أضاف الاقتصاد في العام الماضي نحو مليون وظيفة جديدة تركزت في القطاع الخاص. وتستهدف الرؤية عطالة 7% في 2030، وبحمد الله تحققت نسبة قريبة منها حاليا.

ماذا بشأن التضخم؟ على عكس دول كثيرة ومنها ما تسمى الدول المتقدمة، لقد انخفض معدل التضخم بصورة ملحوظة. وهذا لا ينفي وجود مواطن ضغط. انخفض معدل التضخم السنوي من نحو 3.5% في 2022 إلى نحو 2% العام الماضي. طبعا أحد أسباب التراجع في التضخم تثبيت سعر صرف الريال، ما جعل سعر الصرف للريال يرتفع مقابل عملات دول نستورد منها عند ارتفاع سعر الدولار مقابل عملات تلك الدول.

وللفائدة، أسعار الصرف المعتاد على سماعها (مثل كون سعر صرف الريال 3.75 ريال لكل دولار أمريكي) لا توضح فروق مستوى الأسعار بين الدول، وإذا أوضحت، فتسمى أسعار الصرف الحقيقية، انخفاض معدلات التضخم في 2023 مقارنة بعام 2022 لا يُطبق على كل السلع. أوضح مثال إيجار العقارات، فقد زاد كثير منها في 2023 زيادة تفوق الزيادة في 2022 مع التطورات ومشروعات الإزالة والتطوير، وزيادة الطلب على اليد العاملة المحلية والوافدة. نسأل الله التوفيق وأن يرزقنا شكر نعمه.

 

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية