تولي المملكة جُل اهتمامها لتطوير مكة، والمشاعر المقدسة، وإعمار المكان وإنماء الإنسان وخدمة ضيوف الرحمن. ومع إطلاق رؤية 2030 حظيت مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، بأهم برامجها التنفيذية، وهو «برنامج خدمة ضيوف الرحمن» الذي يهدف لتيسير استضافة المزيد من المعتمرين، وتسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين، وتقديم خدمات ذات جودة للحاج والمعتمر والزائر، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية, يستهدف البرنامج التيسير والتسهيل للملايين من ضيوف الرحمن لأداء مناسكهم، حيث يسهم البرنامج في تحقيق هدف رؤية السعودية 2030 لتمكين أكبر عدد من المسلمين من أداء فريضة الحج ومناسك العمرة، من خلال تأهيل البنية التحتية ورفع الجاهزية وتطوير الكوادر البشرية, وعلى الرغم من مشروعات التطوير الضخمة، إلا أن مواسم الحج والعمرة لا تخلو من التحديات، خاصة في موسم الحج، ومن تلك التحديات، تحدي البنية التحتية، التي تحتاج إلى تسريع عمليات تأهيلها وتطويرها، ورفع قدرتها الاستيعابية لتتوافق مع الأهداف الاستراتيجية ذات العلاقة بعدد الحجاج والمعتمرين والزوار، الذي قد يُصنف ضمن من التحديات. ففتح باب العمرة على مدار السنة يتم استغلاله من قبل المعتمرين الحاصلين على تأشيرة العمرة، لمخالفة النظام، والبقاء في مكة لأداء مناسك الحج. لذا فمن المهم دراسة سلبيات وإيجابيات تأشيرات العمرة التي تسبق موسم الحج، والتأشيرات السياحية أيضا، والنظر في ربط تاريخ انتهاء تأشيرة العمرة بنهاية شهر شوال من كل عام، ووقف إصدار تأشيرات العمرة بنهاية شهر شوال، وحتى انقضاء الحج.
تحقيق التوازن الأمثل بين الأهداف الاستراتيجية المرتبطة بعدد المعتمرين، وبين تفعيل الأنظمة، والحاجة الملحة للحد من تسرب مخالفي أنظمة الحج، من أدوات المعالجة. خفض مدة البقاء في المملكة من ثلاثة أشهر إلى شهر يمكن أن يسهم في معالجة بعض التحديات. التركيز على الكيف، أولى من الكم، فشريحة كبيرة من المعتمرين جعلوا من المسجد الحرام سكنا ومعيشة لهم، ومن الأجدى خفض مدة تأشيراتهم إلى شهر، تفعيل نموذج الإدارة الشاملة لمكة المكرمة، والمشاعر، والمرجعية الموحدة للتعامل مع مواسم الحج والعمرة، والميزانية الموحدة، من أدوات معالجة بعض التحديات التنظيمية، والتنفيذية، وأحسب أن الهيئة الملكية تنبهت لهذا الجانب، حيث أشارت في استراتيجيتها، وضمن (الركائز الاستراتيجية) إلى محور «الحوكمة والتمويل» واستهدافها «تطبيق نموذج حوكمة يرفع من كفاءة إدارة المدينة». تطبيق نموذج الحوكمة، لا يرتبط بإدارة المدينة فحسب، بل يفترض أن يمتد لإدارة موسم الحج، ورفع كفاءته، ويدخل في كفاءة إدارة المدينة، حماية مكة والمشاعر من المتسللين في الحج. إغلاق مكة والمشاعر المقدسة، وحمايتها بسور تتم مراقبته رقميا واعتماد مداخل ومخارج المدينة، لضبط الحركة، يمكن أن يعالج هذا التحدي.
فتشديد الرقابة على المداخل الحالية دون توفير الحماية المحكمة لمحيط مكة، يحفز المخالفين على المغامرة بتسلق الجبال وقطع الصحراء للوصول إلى المشاعر في موسم الحج. ويمكن أيضا، استثمار الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الرقمية لضمان عدم دخول المخالفين مستقبلا، من المواقع الخلفية، أو اكتشافهم في المشاعر من خلال الرصد الرقمي، المرتبط بأساور الحجاج الرقمية التي يمكن التعرف عليهم من خلالها وكشف من لا يحملها في معصمه. يمكن للتتبع الرقمي، والذكاء الاصطناعي، أن ينظم الحشود ويكشف المخالفين بسهولة، وهي تجربة تم تطبيقها بنجاح في الصين، خلال جائحة كورونا، «توفير بيئة ممكنة لتنويع مصادر التمويل للمدينة من خلال زيادة مشاركة القطاع الخاص الربحي وغير الربحي»، من الركائز الرئيسة لاستراتيجية الهيئة. غير أن ضخامة حجم تمويل مشروعات الحرم، والبنى التحتية على وجه الخصوص، جزء من التحديات، التي يمكن معالجة جانب منها باعتماد سياسة «أولوية في التنفيذ»، وبحسب الأهمية، بحيث يكون للمسجد الحرام الأولوية القصوى، ثم الدائرة التي تليه وفق رؤية محكمة لإدارة المشاريع. فمن المهم إنجاز تطوير المسجد الحرام بأسرع وقت، للحد من المخاطر، وزيادة حجم الاستيعاب والتيسير على ضيوف الرحمن، والمصلين والزائرين. تنفيذ مشروعات متعددة في فترة زمنية واحدة، أمر مرهق للميزانيات المعتمدة، وللتدفقات النقدية.
ويبقى التحدي الخارجي، وهو آلية التعامل مع شركات السياحة الأجنبية المتخصصة بتقديم خدمات الحج والعمرة. حيث كشف موسم حج 1445هـ عن مخالفة عدد من تلك الشركات للأنظمة، والمتاجرة بالمعتمرين، وتحفيزهم على مخالفة الأنظمة، من المهم أن يكون للدول الشقيقة دور رئيس في ردع الشركات المخالفة، ووقف عمليات الاحتيال. تعزيز التعاون الأمني، وتجريم المخالفين، وتحمل الدول مسؤولياتها تجاه رعاياها المخالفين، من أدوات المعالجة السريعة. إضافة إلى مراجعة آلية إصدار تأشيرات العمرة للدول المخالفة، وحجمها، واشتراطاتها التي يفترض أن يكون إثبات السكن والإعاشة المدفوعة سلفا، وتذاكر السفر جزء رئيس من متطلباتها الأولية.
نقلا عن الجزيرة