اقتصاد السعادة

10/07/2024 2
د. هوازن بنت زامل المقرن

تشكل السعادة جزءَا أساسياً من الحياة الإنسانية وقد تم تناولها بشكل واسع من قبل الفلاسفة والباحثين في مختلف التخصصات. وأدى التركيز في الآونة الأخيرة على السعادة وعلاقتها بالاقتصاد إلى إيجاد توجه حديث نسبياً في مجال الاقتصاد يركز على دراسة وقياس السعادة وتحليل تأثيرها على تحسين جودة الحياة عن طريق تضمين مقاييس السعادة في عمليات صنع القرارات الاقتصادية ووضع السياسات العامة، يعتبر اقتصاد السعادة فرعاً من علم الاقتصاد السلوكي Behavioral Economics الذي يعتمد على تحليل سلوك الأفراد والعوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر على قراراتهم الاقتصادية. وهو يجمع بين الكثير من التخصصات ويضم العديد من الدراسات في الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع.  كانت البداية مع الاكتشاف الجوهري للاقتصادي ريتشارد ايسترلين في عام 1974.  تشير "مفارقة إيسترلين" إلى أنه لا توجد صلة بين زيادة معدل دخل الفرد ومتوسط مستوى السعادة للأفراد. وفقًا لهذه المفارقة، يؤثر الدخل على مستوى الرفاهية عند مستوى منخفض من الدخل فقط، ولكن بعد مستوى معين عندما يتم تلبية جميع الاحتياجات الأساسية، يكون للدخل تأثير أقل على رفاهية الأفراد، فإذا تجاوز دخل الفرد حداً معيناً وتم تلبية احتياجاته الأساسية مثل الغذاء والسكن والرعاية الصحية، فإن سعادته ترتبط بجوانب أخرى ليست مادية. كما تشير الدراسات إلى أن زيادة الدخل تزيد سعادة الأفراد في البلدان النامية ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض، ولكن في البلدان الغنية، يكون للدخل تأثير ضئيل أو معدوم على السعادة.

وبالنسبة لمقاييس السعادة، يستخدم الباحثون أساليب مختلفة من علم النفس وعلم الاجتماع لقياس وتحليل الرفاهية الذاتية، بما في ذلك الدراسات الاستقصائية عن الرضا عن الحياة، والتقييمات النفسية.  كما يدعمونها ببعض المؤشرات الموضوعية مثل متوسط الدخل، والحالة الوظيفية، ومستوى التعليم والصحة والعلاقات الاجتماعية والسياسات العامة، بينما تفترض النظرية الاقتصادية السائدة أن الدخل الأعلى يؤدي إلى مستويات أعلى من السعادة أو الرفاهية. وفي كتب الاقتصاد العلمية، يفترض عموما أن إجمالي المنفعة يرتفع عن طريق الدخل. وقد تم ربط ذلك كميًا لتأكيد العلاقة الإيجابية بين الدخل والسعادة من خلال مراقبة سلوك الناس لاستنتاج المنفعة، بناءً على افتراض أن اختيارات الناس تكشف عن تفضيلاتهم. ولذلك أصبح تركيز الاقتصاديين وصانعي القرار على زيادة الناتج المحلي الإجمالي. ولكن المؤشرات الأساسية في الاقتصاد التقليدي مثل الناتج المحلي الإجمالي ومعدل البطالة ومعدل التضخم لا تعكس صورة واضحة عن جودة حياة الفرد في دولة ما. فهي تتجاهل الضرر البيئي والتأثير النفسي والعوامل الاجتماعية، ولا تظهر جودة التعليم أو العمل التطوعي وغيرها من الكثير من الأمور المهمة في حياة الأفراد ورفاهيتهم. 

التقرير الذي أصدرته لجنة قياس التقدم الاقتصادي والاجتماعي في عام 2009م وكتبه الاقتصاديان جوزيف ستيغليتز وأمارتيا سين وجان بول فيتوسي، يعتبر من أبرز المبادرات المعاصرة التي انتقدت الاعتماد الكامل على المؤشرات الاقتصادية التقليدية وساهمت توصيات هذا التقرير في دعم الاهتمام باقتصاد السعادة من خلال خمس توصيات:

1-التركيز على الدخل والاستهلاك بدلاً من الإنتاج عند تقييم الرفاهية المادية. وذلك لتحسين جودة الحياة ورفاهية الأفراد والتي تتمثل أكثر بمستويات الدخل والاستهلاك.

2-التركيز على منظور الأسرة للحصول على فهم شامل للرفاهية.

3-قياس الدخل والاستهلاك والثروة سوياً لتقييم الاستدامة على المدى الطويل. 

4-إعطاء أهمية أكبر لتوزيع الدخل والاستهلاك والثروة لاكتشاف التفاوت في المجتمع.

5-إضافة الأنشطة غير السوقية (مثل الرعاية المنزلية والعمل التطوعي) في مقاييس الدخل.

هناك عدة دول حول العالم تعتمد على مقاييس السعادة في صنع القرارات التنموية مثل بوتان التي تبنت مفهوم السعادة القومية الإجمالية كمقياس للتنمية بدلاً من الناتج المحلي الإجمالي. والإمارات العربية المتحدة عندما أنشئت وزارة مخصصة للسعادة في عام 2016م. كما وأطلقت نيوزيلندا مؤشر السعادة الوطنية عام 2018م لقياس التقدم الشامل وجودة الحياة. وفي إطار رؤية المملكة 2030م تم إنشاء العديد من المبادرات لتعزيز الرفاهية والسعادة مثل برنامج جودة الحياة وتنمية القدرات البشرية وبرامج التحول الوطني.

 

 

المقالة نشرت في النشرة الفصلية لجمعية الاقتصاد السعودية عدد يونيو 2024