في الأسبوع الماضي سعدت باللقاء بالمفكر والكاتب «نسيم نكولاس طالب، مؤلف كتاب» مخدوع بالعشوائية Fooled by Randomness، وكتاب «البجعة السوداء Black Swan»، والخبير العالمي في علم الفرضيات والاحتمالات. وقد كان أكثر ما شدّني لحضور ندوته ولقراءة كتاباته هو نظرته لدور العشوائية في حياتنا جميعاً، سواء في الاستثمار أو غيره.
فإحدى نقاطه الرئيسية أن الشخص الذي يتمتع بقدر من الذكاء والجد والاجتهاد والابتعاد عن المخاطرة سيحقق حداً أدنى من النجاح باحتمالية عالية، ومثاله على ذلك هو طبيب الأسنان، أو غيرها من المهن التي يكون فيها الارتباط كبيراً بين مهارة المرء ومقدار نجاحه. أما أي نجاح أكبر من ذلك فهو وليد العشوائية أو الصدفة أو ما قد نسميه (التوافيق) في عرفنا الدارج، وبالرغم من أن الكثير من الناس يحاولون تفسير النجاح لهذا الشخص أو ذاك معددين الأسباب التي جعلت (فلانا) أو (علانا) شديد النجاح، إلا أن هذه التفسيرات لا تعدو كونها محاولات لتبرير العشوائية والصدفة بعد حدوثها.
ومثال المؤلف في هذا الصدد هو افتراضه لمسابقة عالمية لرمي القرش (العملة المعدنية وليس السمكة)، فكلنا يعلم أن الجهة التي يقع عليها القرش هي مسألة احتمال وليست مسألة قدرة (واحتمال الحصول على أي جهة لدى رمي القرش هو 50 في المائة) فلو افترضنا أن القاعدة في المسابقة أن الشخص الذي يحصل على جهة (الوجه) من القرش عندما يرميه يتأهل للدور التالي بينما الشخص الذي يحصل على جهة (الكتابة) يخرج من المسابقة، بحيث يستمر هذا المنوال حتى الوصول إلى فائز. ولو كان عدد المشاركين كبيراً بما فيه الكفاية فيمكننا في هذه الحالة تصور شخص يفوز في المسابقة برميه القرش على جهة (الوجه) 40 مرة متتالية. بالطبع بالرغم من أن فوز هذا الشخص هو مجرد مسألة احتمال أو حظ، إلا أن التغطية الإعلامية لهذا (البطل) الجديد لن تخلو من الاهتمام بشخصيته ومحاولة تفسير نجاحه (فتقول على سبيل المثال إنه يتدرب على رمي القرش ساعة كل يوم، أو أن إبهامه المفلطح يساعده على رمي القرش بالوجه الذي يشاؤه)، وغيرها من الفرضيات والأقاويل بمهارة هذا (البطل) الجديد، بالرغم من أن نجاحه في نهاية المطاف كان وليد الاحتمال والحظ بالشكل الأكبر.
نقطة المؤلف في هذا الصدد أن العديد من جوانب الحياة، خصوصاً تلك المبنية على قدر كبير من النجاح كالتجارة أو الاستثمار أو المناصب الكبيرة أو غيرها، تقترب من تلك المسابقة لرمي القرش، فهي تنطوي على قدر أكبر من العشوائية أو الحظ أو التوفيق (وبالرغم من أن الإعلام والرأي العام كثيراً ما يحاول تفسير الأمور بمجرد الإشارة للمهارة أو القدرة) لذا فما بوسع الشخص الذي يود تحقيق قدر كبير من النجاح إلا تعريض نفسه لقدر كبير من العشوائية أملاً بأن (تضرب معه) أحدها على سبيل الاحتمال. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار قائمة فوربس لأغنى 100 شخص في العالم بمثابة قائمة بأبطال مسابقة رمي القرش. لا يعني ذلك أن الناجحين لا مهارة أو جهد لهم، ولكن المهارة والمجهود وحدهما لا يمكنهما تحقيق شيء غير الحد الأدنى من النجاح (وتذكر طبيب الأسنان من ناحية وبطل العالم في رمي القرش من ناحية أخرى).
ومن هذا المنطلق أيضاً كتب مؤلف آخر «مايكل راينور مؤلف كتاب/ معضلة الاستراتيجية The Strategy Paradox» أن عكس النجاح ليس الفشل، إنما عكس النجاح هو الأداء العادي أو المتوسط إذ إن عديدا من القرارات التي سببت الكثير من النجاح للبعض هي القرارات ذاتها التي سببت الفشل لآخرين، ليس لسبب إلا لاختلاف الأقدار والاحتمالات. أما الذين يتجنبون هذه القرارات تماماً فإنهم يحكمون على أنفسهم بحياة من التوسّط، فلا احتمال للفشل ولكن لا مجال للنجاح أيضاً.
ومن العرض الوارد بعاليه أود أن أستخرج لأعزائي القراء الدروس التالية:
أولاً: لا تأخذ النجاح كوسيلة لقياس أدائك أو قيمتك في الحياة، فنجاح معظم الناس (خصوصاً النجاحات الكبيرة) هو وليد العشوائية أو الحظ أو التوفيق، أكثر منه نتيجة للمهارة أو الجهد.
ثانياً: كل ما يمكن المرء التحكم به هو تعريض نفسه لأكبر قدر من العشوائية بتكرار مستمر أملاً في تحقيق النجاح في إحدى هذه المرات، مع علمه بأن احتمال الفشل في كل حالة على حدة هو أقرب من النجاح، ولكن المرء يأمل أن تكرار المحاولة مرة تلو أخرى قد يؤدي لأن (تضرب معه) في إحدى هذه المرات. لكن لا بد في هذه الحالة من أن يكون المرء واعيا بمدى مخاطرة وعشوائية ما هو مقدم عليه ومتقبلاً لنتائجه، سواء كانت جيدة أو سيئة (والنتائج السيئة عادة ما تتكرر أكثر من النتائج الجيدة).
ثالثاً: إذا كان ليس بمقدور المرء تحمل عواقب الفشل، فلا بأس من أن يأخذ المنحى الأقل عشوائية، الذي يعتمد على قدر أكبر من المهارة والجهد من الحظ والمغامرة، مع علمه بأنه بذلك سيحقق الأمان ولكنه يتنازل عن احتمالية تحقيق أي نجاح كبير، لأن أي نجاح كبير لا بد أن ينطوي على قدر من المغامرة. ولا بأس أن ينحو الشخص هذا المنحى فيما يكفي حاجاته وحاجات أولاده الأساسية (كالمسكن والمأكل...إلخ) ويغامر فيما سواها.
العشوائية غير المخاطرة. لو استخدم كلمة المخاطرة لكان أقرب للصحة.
تحية إكبار لرقي فكر الكاتب محمد القويز ولعله أن يسمح لي بهذه المداخلة على شكل ثلاث نقاط:- الأولى:- كلمة النجاح كلمة وصفية لايمكن لنا قياسها وبالتالي فهي تختلف من إجتهاد شخص لآخر مثال ذلك لو قلنا أن محمد ناجح لقد ربح في سوق المال مليون ريال فقد يقول قائل هو لم يحقق نجاحاً كان من المفترض أن يحقق عشرة ملايين. النقطة الأخرى:- لا يوجد فشل في حياتنا أبداً هي تجربة استفاد منها الشخص فقد تخسر عند افتتاح مشروع معين وتخرج من السوق بسبب الخسائر المتراكمة لا كنك خرجت بفوائد ودروس إن أحسنت الاستفادة منها فحتماً ستنجح في المرة الأخرى الثالثة:- إخواني القراء الكرام في التعليم نتعلم الدروس ثم يأتي الاختبار في الحياة يأتي الاختبار ثم نتعلم الدروس فاستعدوا لاحتبارات الحياة بمخالطة الناجحين والمميزين والاستماع منهم وقراءة كتبهم وسيرهم قبل امتحانات الحياة
أختلف مع هذا المقال .. الشخص العادي لديه فرصة واحدة لرمي القرش أربعين مرة و في كل مرة عليه أن يحرز "الوجه" و لذا فإن نسبة نجاحه هي أقل من واحد من عشرة مليار، و لكن الشخص الذكي .. المثابر .. المبتكر .. صاحب النفوذ و العلاقات .. لديه مائة فرصة لرمي القرش أربعين مرة و لذا فان احتمال إحراز الوجه يرتفع فوق الخمسين بالمائة .. لذلك ستجد أن الأنجح في العالم يتمتعون بالذكاء .. الابتكار .. المثابرة .. النفوذ .. العلاقات .. و قليل من الحظ.
اشكر اخي محمد على طرح مثل هذه المواضيع المفيده للقاريء بمحتواها وبالتعليقات اللتي تثيرها، لقد كان لي شرف قراءه كتابي الدكتور نسيم واللتي اسجل اعجابي بمحتواها وانصح بقراءتها. لدي تعليقات بسيطه على المقال وطريقة تلخيص الفكره: - النقطة الاساسيه اللتي بني عليها الكتاب الاول واتضحت اكثر في الثاني هي أن عالمنا اكثر تعقيداً وعشوائيه مما يبدوا وخصوصاً عندما نحاول تفسير الاحداث باثر رجعي حين نميل لتبسيط الحقائق والعوامل اللتي أدت الى حصولها. فالافضل ان نتعامل مع عالمنا على انه لا يمكن توقعه. - من الخطأ تعليل كل النجاحات بالمصادفه لان ليس كل النجاحات مبني على القدره على توقع المستقبل، برأيي النجاح محصلة عوامل كثيره منها صفات شخصيه ومنها ظروف بيئيه او زمنيه. - الفرق بين طبيب الاسنان وتاجر الاعمال يكمن في قابلية التمدد او المضاعفه في مهن الاعمال الحره مقارنة بالوظائف المرهونه بالمجهود والوقت الشخصي كالعامل او المعلم او طبيب الاسنان. مثال، اذا كان التاجر يربح في بضاعه معينه 10% فكل ماعليه هو زيادة حجم مبيعاته اللذي قد يصل الا اضعاف مضاعفه بينما لا يستطيع الدكتور ايجاد ساعات اكثر.