الاحتكار هو الجشع السعري بعينه، حيث تسيطر شركة أو مجموعة من الشركات على المعروض من السلع في السوق بالتنسيق فيما بينها للسيطرة على الكمية المعروضة، خاصة في المواسم مثل شهر رمضان المبارك بقصد رفع الأسعار أضعاف ما كانت عليه، وبالطبع تتحكم الشركات الاحتكارية في الكمية المعروضة في السوق، وذلك بالسيطرة على الكمية المتاحة للمستهلك بهدف التحكم في العرض وبالتالي التحكم في السعر، هذا يحدث في غياب الرقابة على المحتكرين.
يتحول بعض المتنافسين ألى متحالفين ضد المستهلك بطرق غير أخلاقية وغير نظامية للحد من المنافسة العادلة التي تحمي المستهلك من الجشع السعري، وإذا كان في السوق شركة واحدة ذات توجه احتكاري، فإنه من الواضح أن الاحتكار سيحدث ضد المستهلك الذي ليس لديه خيارات أخرى، وبالتالي سيكون السعر في مصلحة الشركة المحتكرة على حساب القدرة الشرائية للمستهلك، وأيضاً ستنخفض الجودة بسبب الاحتكار السعري.
المبدأ الصحيح في الصناعة والتجارة أن لا ينحصر إنتاج أو بيع سلعة أو خدمة معينة في شخص أو شركة واحدة بعينها أو وكيل حصري، فإن حصر إنتاجها أو وكالتها أو بيعها بأشخاص معينين أو شركات معينة لسبب من الأسباب هو الاحتكار بعينه، وإذا جمع شخص أو شركة سلعاً من السوق وامتنع أو امتنعت عن بيعها للمستهلكين بهدف مضاعفة الأرباح رغم حاجة الناس إليها فلولي الأمر أو من يفوضه أن يجبر البائع على بيع ما احتكره بثمن المثل وبأرباح معقولة.
لقد عانى المواطنون من الاحتكار في سوق الاتصالات مدة طويلة، حيث كانت أسعار المكالمات أربعة اضعاف ما هي عليه اليوم وبجودة خدمات متواضعة، لكن الحكومة الرشيدة تبنت سياسة حكيمة بخصخصة الاتصالات لفائدة المواطن والمقيم، ورخصت أيضاً لشركات اتصالات أخرى لممارسة العمل في هذا القطاع الذي يلامس حياة المستهلكين ما أدى إلى انخفاض الأسعار وتحسن ملحوظ في جودة الخدمات المقدمة، وعلى الرغم من التقدم النسبي الملحوظ في الاسعار والجودة إلا أن قطاع الاتصالات بحاجة للمزيد من الضوابط والحوكمة الفعالة التي تحد من أي ضرر على المستهلك من خلال احتكار محتمل.
أما قطاع الاستقدام فمشكلته كبيرة في الاحتكار الذي ضاعف تكلفة الاستقدام على المواطنين بحوالي ستة أضعاف ما كان عليه من خمسة آلاف ريال إلى ثلاثين ألف ريال وربما تصل التكلفة إلى خمسة وثلاثين ألف ريال، لا تزال مشكلة الاستقدام قائمة بسبب الاحتكار، احتكار الشركة الكبيرة للاستقدام من بعض الدول لا يزال قائماً من خلال اتفاقيات حصرية موثقة في عقودها ما جعل تكلفة الاستقدام عالية بموجب الاتفاقية الاحتكارية المبرمة بين الشركة الكبيرة والطرف الأجنبي من شركات أو اتحادات القوى العاملة في دول الاستقدام.
تبعات وانعكاسات الاحتكار كثيرة على الاقتصاد والمستهلك والصناعات المحلية والمنافسة العادلة والاستدامة الاقتصادية والشفافية وجودة السلع والخدمات والكفاءة الإنتاجية والقيمة المضافة وإجمالي الناتج المحلي، العلاقة بين الاحتكار وكل من الجودة والأسعار سلبية وعكسية، أي أن الاحتكار يزيد في الأسعار ويضعف الجودة، بل يضعف إجمالي الناتج المحلي لقلة عدد الشركات في القطاع الاقتصادي.
وفي الختام.. لا بد من التخلص من الاحتكار في قطاعات عديدة أهمها قطاع الاستقدام، وذلك بإعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة بين الشركات السعودية المتخصصة في الاستقدام والأطراف الأجنبية استناداً إلى انظمة ولوائح تجرم وتغرم المحتكر لحماية الاقتصاد الوطني من التبعات السلبية للاحتكار، ومن الأهمية أن تقود وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مفاوضات الاستقدام بفريق متخصص بعيد عن الممارسات السابقة.
نقلا عن اليوم