أقر البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي في اجتماعه الأخير الأسبوع الماضي الإبقاء على معدل أسعار الفائدة المستهدفة بين 5.25 % و5.5 % دون تغيير للاجتماع الخامس على التوالي. تفاعلت الأسواق بعدها بشكل إيجابي متفائلة بقرب تغيير المركزي الأمريكي نهجه في رفع الفائدة لمحاربة التضخم، ليبقي أسعار الفائدة السائدة عند أعلى مستوياتها في 23 عاما. إضافة إلى ذلك أشار الفيدرالي الأمريكي في اجتماعه إلى إمكانية خفض الفائدة ثلاث مرات العام الحالي 2024 وهذا زاد تفاعل الأسواق الإيجابي لقرب انقضاء فترة من التشديد المالي، ما من شأنه خفضها إلى 4.75 % على أقل تقدير، خصوصا إذا استمرت المؤشرات الاقتصادية الأمريكية بنفس الوتيرة من الاستجابة كمعدلات التضخم الأساسي، ومعدلات الوظائف، والدخل الفائض للإنفاق لدى الأفراد، وغيرها من المؤشرات التي يعتني بها الفيدرالي، كانت سلسلة التغييرات التي طرأت على معدلات الاقتراض خلال عام ونصف مربكة للأفراد وللأعمال على حد سواء، لارتفاع تكلفة النقود على الأفراد وتضييق هامش الربح على الأعمال، ويقابل هذا تباطؤ في الحركة الاقتصادية شاهدنا مخرجاتها على نتائج الاقتصاد العالمي 2023 بعد أن راجعها صندوق النقد الدولي في أكثر من مرة خلال عام واحد، وكلها مراجعات سلبية، كذلك تأثرت أسعار السلع وتأثر الطلب عليها.
بنهاية عام 2023 اقتربت البنوك السعودية من تجاوز 2.6 تريليون ريال سعودي كقيمة قروض مقدمة إلى الشركات التي تمثل 52 % والأفراد الذين يمثلون 48 % من محفظة الإقراض البنكي، في المقابل تغيرت تركيبة الودائع لدى البنوك السعودية، أسهم التغير الهائل في أسعار الفائدة في التوجه نحو الودائع الادخارية والزمنية، فتغير هيكل الودائع لدى البنوك العاملة في السعودية، حيث كانت تمثل في الأعوام الماضية قبل رفع أسعار الفائدة 23 % إلى 25 % بينما بنهاية عام 2023 أصبحت الودائع الادخارية والزمنية تمثل 35 % من إجمالي حجم الودائع، وهذا بدوره انعكس على تكلفة النقود لدى البنوك التي ارتفعت إلى 5.8 %. بجانب هذا أيضا فإن تغير أسعار الفائدة أثر في الاستثمارات الأخرى سواء لدى البنوك أو المستثمرين الاعتياديين فتغيرت جاذبية الصكوك والسندات، ما خفض قيمتها، وهذا بدوره كان له أثر أيضا في القطاع، مثالان لسلسلة من التغييرات سببتها أسعار الفائدة. خلال فترة التغييرات الحادة هذه اتجهت الشركات كذلك إلى التحوط ضد ارتفاع تكاليف القروض عليها.
الآن يقترب العالم من بداية لعكس الاتجاه فيما يتعلق بأسعار الفائدة لأجل إيجاد بيئة أكثر توزانا ما بين محاربة التضخم وعدم التأثير، أي نمو اقتصادي صحي وهذا بذاته تحد صعب. تفاوت التجاوب العملي للمؤسسات المالية والشركات مع زيادة الفائدة ما بين شدة في التحوط وتأخر في القرار، بجانب لهفة المؤسسات المالية لبيع مزيد من المنتجات. وستكون الفترة المقبلة كذلك باعتبارها حركة معاكسة في أسعار الفائدة اختبارا لقياس القرارات المالية التي اتخذتها المنشآت زمنيا أو ستأخذها المنشآت في الفترة المقبلة. إن الموازنة ما بين المتغيرات السريعة ما بين صيانة التكاليف وتعظيم الأرباح ستظهر فوارق ملحوظة. أما على صعيد الأفراد فمن المرجح أن يتحسن منظورهم نحو الاقتراض، للقناعة بأن حقبة الأموال الرخيصة أصبحت خلفنا.
كما كنا نراقب تداعيات زيادة الفائدة على الأعمال والبنوك سيكون أمامنا وقت نراقب فيه تغير تركيبة الودائع لدى البنوك وأثر القرارات المالية للشركات في أرباحها، وأخيرا تصرف الأفراد وشهيتهم تجاه الاقتراض.
نقلا عن الاقتصادية