يصعد إلى السطح عديد من التساؤلات، في مواجهة الأوضاع الراهنة لأبرز المؤشرات الاقتصادية، وطوال احتمالات استمرارها حتى نهاية العام الجاري، تدور تلك التساؤلات حول النمو المتوقع للقطاع الخاص، وقدرته على زيادة التوظيف، التي سيؤدي تناميهما بكل تأكيد في دعم النمو الاقتصادي الكلي، كل هذا يتم البحث فيها تحت مظلة الارتفاع المستمر لتكلفة التمويل (أسعار الفائدة)، والعودة المتوقعة للتضخم نحو الارتفاع مجددا، اللذين سيحدان بالتأكيد من التسارع المنشود لنمو القطاع الخاص وقدرته على توليد الوظائف، تصطف المؤشرات الأساسية أعلاه خلال الربع الأخير من العام الماضي على النحو الآتي: يقدر النمو الحقيقي للقطاع الخاص بنحو 4.5%، مقارنة بـ5.9% للربع نفسه من 2022، وتمكن القطاع الخاص من النمو بعدد وظائف المواطنين لديه بمعدل سنوي بلغ 6.6%، مقارنة بـ13.0% خلال الربع الرابع من 2022. تحققت تلك المعدلات في ظل متوسط سعر فائدة للإقراض لثلاثة أشهر عند مستوى 6.3%، مقارنة بمتوسط أسعار فائدة بلغ 5.3% خلال الربع الرابع من 2022، وبوجود معدل تضخم عن الربع الأخير من 2023 بلغ 2.5%، مقارنة بتضخم بلغ معدله الربعي 3.1% عن الربع الرابع من 2022. وبأخذ التغير الذي طرأ على مستويات السيولة والائتمان للفترتين نفسهما، تظهر النشرة النقدية للبنك المركزي السعودي أن الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بنهاية الربع الرابع من 2023 قد بلغ 10.0%، مقارنة بنحو 12.6% خلال الربع نفسه من 2022، وأن الودائع البنكية نمت بمعدل سنوي بلغ 7.8%، مقارنة بنحو 9.1% عن الربع الأخير من 2022.
الملامح الأولية مما سبق تشير إلى ضغوط محتملة على القطاع الخاص في ظل الأوضاع الراهنة، وهذا بالفعل ما أظهرته نتائج مؤشر مديري المشتريات ليناير الماضي الصادر عن بنك الرياض قبل أمس، التي كشفت عن تراجع مؤشر بنك الرياض لمديري المشتريات في السعودية إلى أدنى مستوى له منذ عامين، وأشارت أيضا إلى ارتفاع الضغوط التضخمية، الناتجة عن الطلب القوي على مستلزمات الإنتاج، وارتفاع أسعار المواد وتزايد مخاطر سلاسل التوريد إلى أكبر زيادة في تكاليف المشتريات منذ منتصف 2012، ورغم كل ذلك لم ترتفع أسعار المنتجات إلا على نحو طفيف، حيث أجبرت المنافسة المتزايدة الشركات في كثير من الأحيان على تجنب زيادة أسعارها. أما على جانب التوظيف، فقد كشف المرصد الوطني للعمل عن تباطؤ عدد المنظمون للعمل في القطاع الخاص خلال يناير الماضي إلى 32.4 ألف عامل، مقارنة بعددهم خلال ديسمبر 2023 البالغ 44.8 ألف عامل جديد.
رغم أنه قد يكون مبكرا تصور ما سيحمله العام الجاري من متغيرات وانعكاسات على القطاع الخاص، إلا أنه لا بد من وضع كل التصورات والتوقعات على طاولة البحث، والتفكير الاستباقي في وضع الحلول الكفيلة بتحفيز نمو القطاع الخاص واستدامته وتوليده للوظائف، وكونه الجزء الأهم بصفته القطاع المنتج، وما يؤكد أيضا أهمية هذا التوجه، ما كشف عنه تقرير حديث صدر عن وكالة "فيتش"، أوضحت فيه أن الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، والانتخابات المقبلة في عديد من البلدان، وتزايد عدم اليقين التنظيمي فيما يخص الموارد الطبيعية، جددت جميعها التركيز على المخاطر الجيوسياسية، كأكبر التحديات في أسواق السلع الأساسية، وتوقعت استمرار علاوة الأسعار الجيوسياسية لمعظم السلع، ولن يحد من ارتفاعاتها سوى النمو الاقتصادي المتعثر. وللحديث في هذا الشأن تتمة بمشيئة الله.
نقلا عن الاقتصادية