بدأت صناعة التكنولوجيا المالية أو ما يعرف بالـ (fintech) مع ظهور الخدمات المصرفية الإلكترونية وتداول الأسهم عبر الإنترنت. وتوسعت هذه التكنولوجيا وتغيرت بمرور الوقت نتيجة للتقدم التكنولوجي في التطبيقات والإنترنت. مما نتج عنه إنشاء خدمات ومنتجات مالية جديدة بهدف تعزيز إمكانية الوصول والتسهيل والفعالية في صناعة الخدمات المالية. كما ان زيادة حاجة العملاء للوصول إلى الخدمات المالية من أي مكان وفي أي وقت أثر على الخدمات المصرفية والمالية التقليدية. بالإضافة الى ذلك أدى ظهور الأجهزة المحمولة والاستخدام الواسع النطاق للهواتف الذكية إلى زيادة نمو صناعة التكنولوجيا المالية. واليوم تواصل التكنولوجيا المالية تشكيل الصناعة المالية بشكل جديد من خلال الابتكار في مجالات متعددة مثل المدفوعات والإقراض والاستثمار والتأمين، التكنولوجيا المالية بشكلها الحالي لم تكن موجودة قبل الألفية الثانية. ومع ذلك، يمكن إرجاع أصول التكنولوجيا المالية إلى ظهور أنظمة الكمبيوتر ونمو الخدمات المصرفية الإلكترونية في صناعة الخدمات المالية في السبعينيات والثمانينيات. والتي مهدت هذه الابتكارات المبكرة الطريق لتوسع التكنولوجيا المالية وتطورها. فمع بداية الالفية الثانية تقريباً قدم الرواد الأوائل لقطاع التكنولوجيا المالية خدمات مالية أساسية مثل تداول الأسهم عبر الإنترنت والخدمات المصرفية الإلكترونية. حيث أصبح بإمكان العملاء من تداول الأسهم عبر الإنترنت مما عزز بشكل كبير إمكانية الوصول الى اسواق الأوراق المالية بكل سهولة ويسر. وقدمت بعض البنوك خدماتها المصرفية إلكترونياً عبر الإنترنت واتاحت للعملاء مراقبة حساباتهم وإجراء عملياتهم المالية. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت بوابات الدفع، مثل شركة PayPal، كشركات مبكرة في مجال المدفوعات، حيث توفر للمستهلكين طريقة مريحة وآمنة لإرسال الأموال واستلامها عبر الإنترنت.
ثم بعد ذلك تم إنشاء منتجات وخدمات جديدة في هذه الصناعة. مثل منصات الإقراض بين الأشخاص او ما يعرف باسم (P2P Lending) أو (Social Lending) بفضل الشركات الرائدة في هذا المجال مثل شركة Zopa وشركة Lending Club. حيث تمكن الأفراد من الحصول على قروض مباشرة من أفراد آخرين، مع الاستغناء عن المؤسسة المالية كوسيط. كما ظهرت تقنيات جديدة مثل تقنيات الدفع عبر الهاتف المحمول والتي قدمتها شركات مثل شركة Square. وكان هذا بمثابة تقدم كبير في صناعة المدفوعات التي ساعدت في تطوير المدفوعات عبر الهاتف المحمول، في أعقاب الأزمة المالية العالمية والتي ظهرت في سبتمبر 2008م، واعتبرت الأسوأ من نوعها حيث ابتدأت بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم. كان هناك حاجة ماسة لحلول تمويلية جديدة ساهمت في ظهور شركات التمويل الجماعي (Crowd Funding) مثل شركة Kickstarter والتي اتاحت لرواد الأعمال والمبدعين جمع الأموال لمشاريعهم من عدد كبير من الداعمين. كما ظهرت العملات الرقمية مثل الـ Bitcoin وكانت أول عملة رقمية لامركزية، وفرت مع العملات الرقمية الأخرى طريقة جديدة للمستهلكين لتبادل ونقل الأموال.
وفي الوقت الحاضر تم دمج واستخدام تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتعزيز الخدمات المالية مع استمرار القطاع في التطور والابتكار، وبعد ان اثبت فاعليته وازداد الاعتماد على منتجاته وخدماته على نطاق واسع، وتطور المشهد التنظيمي له ليعكس نضج القطاع وحوكمته. أدى ذلك إلى مزيد من الطلب وإدخال خدمات مالية جديدة إلى السوق. فظهر تقنيات المستشارون الآليون (Robo-advisers) وهي عبارة عن منصة رقمية تقدم من خلال الخوارزميات والأتمتة خدمات التخطيط المالي والمشورة الاستثمارية الشخصية وإدارة المحافظ الاستثمارية للمستثمرين الأفراد بأسعار معقولة. ساهمت هذه التقنية في كسر بعض الحواجز التقليدية بين عالم الخدمات المالية والمستهلكين العاديين. وأصبح التخطيط المالي السليم الآن في متناول الجميع تقريباً، وليس فقط الأفراد ذوي الثروات العالية.
وبدء القطاع يتوسع ليشمل عدة مجالات مالية مثل تكنولوجيا التأمين الرقمي والخدمات المصرفية المفتوحة او ما يعرف باسم (Open Banking) وشركات الإقراض عبر الإنترنت مثل شركات اشترى الآن وادفع لاحقاً (BNPL) التي تقدم للمستهلكين مجموعة من خيارات الائتمان لعمليات الشراء عبر الإنترنت. ومن المتوقع أن يستمر التطور والنمو السريع لهذا القطاع مع استمرار ابتكار الحلول الرقمية لمعضلات القطاع المالي والمصرفي التقليدية. وسيكون هناك تكامل وتعاون بين المؤسسات المالية التقليدية وشركات التكنولوجيا المالية لتلبية رغبات العملاء. مما سيؤدي إلى تطوير خدمات ومنتجات مالية جديدة أكثر سهولة ومرونة وأماناً، وذلك في ظل رغبة العملاء نحو التحول الرقمي في الإجراءات المصرفية.
خاص_الفابيتا