مما لاشك فيه أن منظومة العمل في المملكة تطورت كثيراً وذلك في سبيل السعي لإيجاد بيئة صحية تحفظ حقوق كل الأطراف وترفع من التنافسية في السوق والاستقرار فيه ويتضح ذلك من خلال زيادة عدد المشتغلين بالقطاع الخاص من المواطنين بفضل سياسات التوطين وتطور الأنظمة والتشريعات في السوق بعد أن كان جل التوجه للوظائف بالقطاع العام بالإضافة إلى أن التوسع بالنشاط الاقتصادي رفع من حجم فرص العمل للمواطنين والوافدين وهذا بالتأكيد يتطلب سوقاً ناضجاً من كافة الجوانب لكن مع ذلك تظهر بعض استخدامات مواد نظام العمل بطريقة ما يختلط فيها مفهومها على من يحتاج لتطبيقها على حالة من حالات السوق أو في بناء العقود، فالمادة 77 التي كثيراً ما كتب عنها تتضمن شرطاً ينطبق على العقود محددة المدة ذكر في البند الثاني فيها والذي ينص على أن يدفع الطرف الذي يطلب إنهاء العقد قبل انقضائه «أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة» وظاهر المادة يعطي التساوي بين الطرفين على تعويض الضرر المترتب من طلب إنهاء العقد لكن هناك إشكالية تجعل الضرر على العامل يبدو أكثر تأثيراً فالتنافسية ستقتل في السوق إذ إن العديد من الموظفين تأتيهم فرص عمل أفضل لهم من حيث الدخل والمزايا.
ولكن إذا كان متبقياً في عقده مدة طويلة فسيضطر لدفع الراتب الأساسي عن كل شهر متبقٍ من العقد حتى يحصل على مخالصة وهذا قد يعادل نسبة كبيرة مما تقاضاه في المنشأة بفترة سريان عقده وإذا لم يتمكن من توفير المبلغ المطلوب فسيفقد الفرصة الأفضل التي قد لا تتكرر بسهولة له كما أن المنشأة تكون استردت مبلغاً كبيراً مما دفعته له وحصلت على خدماته بالفترة التي عمل بها لديهم وكأنه عمل لفترة ما مجاناً لديهم فالمنشآت يمكنها تعويض العامل ببديل عنه بفترة قصيرة خصوصاً الكيانات الضخمة التي تحقق إيرادات وأرباحاً كبيرة فطلبات التوظيف لديها بمختلف التخصصات متاحة بخيارات كثيرة فالعامل ليس بأكثر قوة مالياً وحتى كفرص من المنشأة وقد يكون مقبولاًً أن يعيد ما دُفع عليه من رسوم دورات أو مزايا معينة لكن أن يدفع رواتب المدة المتبقية أو يعتذر عن فرصة أفضل فهو أمر يحتاج لإعادة نظر فالتنافسية المطلوبة هي أن تقدم المنشأة مزايا تجعل العامل يتمسك بها ولا تغريه العروض الأخرى بسهولة لكن أن يعطى دخلاً أقل من متوسط السوق فمن الطبيعي أن يبحث عن فرص أفضل وهو ما ترمي له آلية السوق القائمة على دعم التنافسية فالمادة قد تؤدي لعدم اهتمام بعض المنشآت بتحسين أوضاع العاملين لديها قياساً بتطورات السوق لأنه ملزم بمدة العقد أو يدفع ليخرج وليس الكل قادراً على ذلك.
أما المادة الثامنة من النظام فهي بحسب قانونيين محل خلاف في فهمها أو تطبيقها خصوصاً عند التقاضي فهي تنص على أنه «يبطل كل شرط يخالف أحكام هذا النظام، ويبطل كل إبراء، أو مصالحة عن الحقوق الناشئة للعامل بموجب هذا النظام، أثناء سريان عقد العمل، ما لم يكن أكثر فائدة للعامل» فهي صممت لمصلحة العامل ولكن وجود فقرة أثناء سريان العقد أوجدت لبساً في تطبيق المادة حسب ما يذكر حولها فهناك قضايا نشأت بسبب أن العامل وقع على المخالصة ولم يستلم حقوقه وعملياً بتوقيعه كأنه أقر الاستلام فالأصل كما يراه بعض القانونيين أن التسوية والمصالحة والإبراء يجب أن تتم بعد انتهاء سريان العقد فإذا كانت هذه المادة قد أوجدت فعلاً تبايناً في التفسير بسبب الفقرة المتعلقة بوجوب سريان العقد فإنه من المهم دراسة أثرها وهل هي فعلا تحتاج لإيضاح إذا كان هناك حاجة لتعديلها أو إبقائها كما هي أو التوسع بشرحها وإيضاح سبب ذكر الفقرة المتعلقة بسريان العقد.
سوق العمل السعودية من أكبر الأسواق بالعالم وشهد نقلات نوعية كبيرة في التشريع والتنظيم من قبل وزارة الموارد البشرية ساهمت بزيادة جاذبيته والاقتصاد الوطني مقبل على تطورات بالنمو والتوسع الأفقي والعامودي والنوعي بالمشاريع والقطاعات وجذب الشركات الأجنبية ضخمة جداً وهو ما يعني أن السوق سيزداد فيه الاستقطاب للخبرات داخلياً ودوران الموظفين سيرتفع مع إغراء العروض مما يتطلب مرونة أكبر وإعادة النظر ببعض بنود المواد لتواكب التطورات القادمة في السوق.
نقلا عن الجزيرة