تتمتع البنوك السعودية بمراكز مالية قوية، ودوما ما تحقق البنوك السعودية درجات عالية لكفاية رأس المال، تماشيا مع تنظيمات البنك المركزي السعودي والتزاما باتفاقيات لجنة بازل الدولية، التي هي عبارة عن اتفاقيات دولية طوعية بشأن كفاية رؤوس أموال البنوك. لكن هناك تساؤلات مهمة عن مدى مأمونية ودائع العملاء لدى البنوك، كون البنوك في نهاية الأمر كيانات تجارية معرضة للأخطار الاقتصادية والمالية كغيرها من الشركات، فما الذي يحدث لودائع العملاء في حال تعثر أحد البنوك؟ وماذا عن ممتلكات العملاء من أسهم وغيرها من أصول؟ وكيف تتعامل دول العالم مع هذه الحالات النادرة؟، لم يحدث - ولله الحمد - أن حصل أي تعثر لبنك سعودي، لكن ذلك لا يعني تراخي البنك المركزي وعدم قيامه بأخذ الاحتياطات اللازمة للحد من ذلك، ولا سيما أن هناك تطورات كبيرة ومتسارعة في القطاع المالي السعودي من حيث الخدمات المقدمة ووسائل الدفع وزيادة عدد البنوك الرقمية وشركات التقنية المالية وعلاقتها بعضها بعضا. قبل نحو ثمانية أعوام طرح البنك المركزي فكرة حماية ودائع العملاء بحد أقصى 200 ألف ريال، على أن يتم تمويل المشروع من صندوق تؤسسه البنوك لهذا الغرض، وتمت إعادة الفكرة وتأكيد أهميتها في مشروع نظام البنوك الجديد الذي تم طرحه مطلع العام الماضي، حيث تضمن مشروع النظام عدة مواد تتعلق بإنشاء صندوق لحماية الودائع تحت إشراف البنك المركزي. ما الحاجة إلى مثل هذا الصندوق؟
الهدف بالطبع يتمثل في رفع مستوى الاستقرار المالي في البلاد وبعث الطمأنينة لدى المودعين بأن أموالهم في البنوك آمنة، لذا من الضروري إخضاع حماية الودائع إلى حوكمة وضوابط دقيقة لتحديد مقدار الحماية الممكنة، وتحديد مصادر تمويل هذه الحماية، ومن يقوم بتحمل أعبائها المالية، وإزالة الضبابية عنها بشكل كامل، إلى جانب أهمية تفادي الوقوع في ظاهرة ما يعرف بـ"المخاطر الأخلاقية"، التي تعني في السياق المالي أن يكون هناك تراخ وتهور ودخول في مجازفات كبيرة من قبل المؤسسات المالية، حين يبدو لها أن هناك من سيحميها من عواقب سوء الأداء. ما يسعى إلى تطبيقه البنك المركزي السعودي هو أن تقوم جميع المؤسسات المالية التي تستقبل ودائع العملاء، وهي حاليا البنوك فقط، بالاشتراك في صندوق حماية الودائع كنوع من التأمين برسوم سنوية يدفعها كل بنك، حيث يتم ضمان ودائع العملاء في حال تعثر البنك، بالطبع سيكون ذلك بحد أقصى مبلغا معينا من المال. أي إن الحماية محدودة بمبلغ معين، لم يتم تحديده حتى الآن، ما يعني أن على الناس مستقبلا إعادة النظر في حجم ما يتركونه من أموال في الحسابات البنكية، والعمل على إدارتها بطرق جديدة.
في التجربة الأمريكية، هناك شركة حماية الودائع البنكية FDIC، التي يشترك فيها معظم البنوك الأمريكية، وتضمن أموال العملاء بحد أقصى 250 ألف دولار للحساب الواحد في البنك الواحد، ما يعني أن العملاء ممن لديهم مبالغ تفوق ربع مليون دولار لا يتركونها في بنك واحد، أو أنهم يقومون باستخدام أنواع أخرى من الحسابات في البنك نفسه، لتفادي مشكلة الحد الأعلى، مثلا عن طريق فتح حساب مشترك مع الزوجة أو حساب استثماري بخصائص معينة، هذا ما يتوقع حدوثه هنا في المملكة حين يبدأ العمل بصندوق حماية المودعين، ماذا عن الحسابات الاستثمارية لدى البنوك، كحسابات الأسهم السعودية، هل يشملها برنامج حماية الودائع، ولا سيما أن مبالغ هذه الحسابات في الأغلب تتجاوز الحد الأعلى لضمان صندوق حماية الودائع؟
حماية الودائع تقتصر على الودائع البنكية ولا تشمل الاستثمارات كالأسهم والسندات وصناديق الاستثمار ولا حتى ما يتم حفظه في صناديق الأمانات التي تقدمها بعض البنوك، إذن هل من حماية للمستثمرين في الأسهم السعودية؟ عادة لا توجد حماية إضافية ضد تعثر البنك في حال وجود أموال نقدية في الحساب الاستثماري، إلا إن ورد ذلك نصا في تنظيم آلية عمل صندوق الحماية، حتى إن تم ذلك فلن تتجاوز التغطية المالية الحد الأقصى المقر للحماية، بمعنى أن الحماية ستكون على مجموع الأموال النقدية في الحساب الجاري وأي حسابات توفير وادخار، بما في ذلك النقدية في الحساب الاستثماري. أما الأسهم نفسها فهي بطبيعتها تكون مسجلة باسم المالك، فردا كان أو شركة، ولن تتأثر بتعثر البنك الذي تم الشراء عن طريقه. أما الصناديق الاستثمارية فتختلف طريقة عملها عن المحافظ الاستثمارية، كونها خليطا من عدة أسهم ولا يمكن تسجيلها باسم الشخص لدى شركة مركز إيداع الأوراق المالية التابعة لمجموعة تداول كما في الأسهم الفردية التي يتم شراؤها من خلال الحسابات الاستثمارية، فهل من خطر على المستثمرين في حال تعثر الصندوق الاستثماري؟
في حال تعثر الصندوق الاستثماري، الذي عادة يدار من قبل أحد البنوك أو المؤسسات المالية المرخصة، فالخطر محدود، بسبب الدور الذي يلعبه أمين الحفظ في هذه المنظومة. فعندما يقوم مستثمر بشراء وحدات صندوق استثماري، أو يشارك في اكتتاب أحد الصناديق المغلقة، فإن الأموال تودع في حساب أمين حفظ مرخص له، عادة يكون أحد البنوك أو المؤسسات المالية الكبيرة، وتسجل جميع الأصول باسم أمين الحفظ، ففي حال أفلس الصندوق الاستثماري فلا ضرر من ذلك، كون الصندوق ليس لديه أي من أموال المستثمرين ولا أي من أسهمهم، أي إن إفلاس هذه الصناديق أمر خاص بها ووارد حدوثه، لكنه غير مرتبط بأموال المستثمرين. تتبقى لدينا مشكلة إفلاس أمين الحفظ نفسه، وهو بنك كبير أو مؤسسة لا يقل رأسمالها عن 50 مليون ريال، بحسب شروط الترخيص من الهيئة، لكن حتى في هذه الحال النادرة، جميع الأصول المسجلة باسم أمين الحفظ يتم نقلها إلى أمين حفظ آخر، علاوة على أن هناك ضوابط عديدة تمنع أمين الحفظ من التصرف في أي من الأوراق المالية أو الأموال النقدية لديه في أي غرض، سوى ما هو مصرح له به.
نقلا عن الاقتصادية
لك كل الإحترام و التقدير يا دكتورنا الغالي, شكرا على هذا المقال الرائع جدا والذي أجاب على تساؤلاتي, ما شاء الله عليك, دقة بالمعلومات ممزوجة ببساطة بالسرد. أنت كالمنارة التي تضيء لنا طريق الإستثمار . شكرا جزيلا
الحد الأعلى 200 ألف هي معلومة قيمة جدا ولكن من المحزن أن التشريعات استغرقت 8 سنوات ولا أعلم هل أقرت أم مازالت في تحت النقاش، بالإضافة إلى التعريج على الصناديق الإستثمارية أو إفلاس أمين الحفظ مقال رائع يليق بكاتبه
عفوا دكتور, طيب أنا عندي مجموعة من الأسهم الأمريكية فهل يتم تسجيل الأسهم الأمريكية أيضا بإسمي الخاص عن طريق مركز شبيه ب(إيداع) عندهم في السوق الأمريكي بحيث يمكنني (مثل إيداع) التحقق أن أسهمي فعلا قد تم شراؤها و مسجلة بإسمي الشخصي؟ وشكرا جزيلا
الأسهم الأمريكية دائماً تكون مسجلة باسم الوسيط أو وكيل عنه أو باسم شركة الإيداع نفسها، وهذي هي الطريقة الشائعة لأن كثير من المستثمرين يفضلونها بسبب المرونة في الاقتراض وإدخال الأوامر القائمة وإيقاف الخسارة إلخ، ولو رغب المستثمر تسجيل الأسهم باسمه يمكن يرتب ذلك مع الوسيط، ويمكن الحصول على شهادة ملكية ورقية باسم الشخص. ومع ذلك هذا لا يضر وليس له تأثير في حال أفلس الوسيط لأنه غير مسموح له التصرف بالاسهم إلا عن طريق المالك الفعلي.
ما شاء الله عليك يا دكتور, شكرا جزيلا