كي لا تفشل سوق عقود الخيارات

24/12/2023 12
د. فهد الحويماني

لا يزال الوقت مبكرا للحكم على نجاح أو فشل سوق عقود الخيارات في المملكة، التي انطلقت قبل أقل من شهر بتقديم عقود خيارات لأربع شركات، لكن حتى الآن لا توجد أي تداولات على هذه العقود، فهل من خلل؟ وكيف يمكن دعم هذه السوق وتشجيع المشاركة فيها من قبل المتداولين كافة؟، مصدر القلق حول مستقبل سوق الخيارات له مبرراته، فقد رأينا فشل سوق العقود المستقبلية للمؤشرات وسوق العقود المستقبلية للأسهم المفردة، ورأينا تعثرا كاملا للصناديق المتداولة لعدة أعوام، ثم تحركا طفيفا في الأعوام القليلة الماضية، لكن لا تزال كمية التداول لأكبر هذه الصناديق المتداولة أقل من ألف سهم يوميا في كثير من الأيام، ولا ننسى بالطبع فشل سوق السندات. أنا هنا أستخدم كلمة "فشل" وليس "ضعف" ولا "تعثر" ولا غير ذلك من الكلمات اللينة، لأن الذي أمامنا هو بالفعل فشل حقيقي، ولذا علينا مواجهة الواقع والبحث عن مسببات الفشل والخروج بحلول مناسبة، لا نحتاج إلى التوسع في الإشارة إلى بعض الأسواق الناجحة في العالم، لكن نكتفي بالقول إن آخر إحصائية لسوق عقود الخيارات في شيكاغو تشير إلى متوسط تداول يومي في حدود 53 مليون عقد خيارات في اليوم، وهذا يشمل جميع أسواق عقود الخيارات ويشمل عقود الشراء وعقود البيع بقيمة إجمالية تبلغ نحو 32 مليار دولار في اليوم والواحد. أما أسواق العقود المستقبلية والسندات فهي كذلك ضخمة جدا وعالية السيولة والتداول اليومي.

طبيعة أسواق عقود الخيارات أنها مناسبة للمضاربين والمستثمرين، ويتعامل فيها صغار المتداولين وكبارهم بسبب مرونتها وإمكانية تداول بعض عقودها بمبالغ ضئيلة جدا، والاعتماد على ما تمنحه من رافعة مالية كبيرة، ولذا من المفترض أن تجد هذه السوق إقبالا كبيرا من قبل صغار المتداولين في المملكة، على وجه الخصوص. وبالطبع سوق الخيارات تقدم وسائل تحوط متنوعة من خلال استراتيجيات متنوعة ومتعددة وجميعها متاحة في السوق السعودية، كون جميع استراتيجيات العقود تعتمد فقط على عقود الشراء وعقود البيع، وكلتاهما متاحة في السوق السعودية. مع ذلك من المستغرب ألا نجد أي اهتمام بهذه العقود في الشهر الأول منذ إطلاق السوق في المملكة، فمرة أخرى ما الأسباب، وما الحلول؟، سوق عقود الخيارات تعتمد بشكل أساس على صناع السوق، وليست كالأسهم التي تستفيد من وجود صناع السوق، لكن وجودهم ليس ضروريا لإحداث حركات بيع وشراء، وهذا ما نراه في بعض الأسواق، ومنها سوق الأسهم السعودية التي تعمل بلا صناع سوق إلى قبل أشهر قليلة، حين تم العمل بهذا الأسلوب مع بعض الشركات. أما في سوق عقود الخيارات فدور صانع السوق مهم جدا والسبب يعود إلى كثرة العقود بسبب تعدد أسعار التنفيذ وتعدد تواريخ الاستحقاق بين عقود بيع وعقود شراء، بحيث يصعب جدا أن تكون هناك أوامر بيع وشراء جاهزة لاستقبال أوامر المتداولين في جميع الأوقات. لهذا السبب تعمل عقود الخيارات من خلال صناع أسواق يعملون لحسابهم الخاص، وملزمون بالشراء والبيع في جميع الأوقات.

على سبيل المثال، لو أراد متداول شراء عقد واحد لشهر يناير لشركة سابك التي سعرها الحالي 81.20 ريال، بسعر تنفيذ للعقود 60 ريالا، أي إن مشتري العقد يستطيع شراء السهم بسعر 60 ريالا في أي وقت قبل نهاية يناير 2024، فسيجد أن السعر الافتراضي كما تنشره "تداول" هو 22.19 ريال، وهذا مجرد السعر النظري للعقد وليس السعر الحقيقي الذي يظهر لو كانت هناك عروض وطلبات على العقد. فلو كان لدينا صناع سوق فإن الذي سيحدث هو أن يقوم صناع السوق بالتنافس فيما بينهم لتقديم عروض بيع وشراء بأسعار قريبة من السعر الافتراضي، وبذلك يستطيعون تنفيذ أوامر العملاء في أي وقت من الأوقات، إذن الخطوة الأولى أن تقوم "تداول" بتشجيع عمل صناع السوق في سوق عقود الخيارات وتحفيزهم لممارسة العمل بنشاط ومرونة، كون من الصعب جدا أن تترك مهمة توفير السيولة لعامة المتداولين، خصوصا أننا في بداية انطلاق سوق، ومن الطبيعي ألا يكون عدد المشاركين فيها كبيرا، علاوة على صعوبة تقييم أسعار العقود بلا محترفين مطلعين ومتنافسين في الوقت ذاته. الخطوة الثانية لمنع فشل عقود الخيارات، وهو أحد أسباب فشل الأسواق الأخرى، هو أن تبادر "تداول" بعمل حملة ترويجية لهذه السوق من خلال جعل عمولة التداول "صفر" ريال لفترة زمنية معينة، مثلا لستة أشهر مقبلة. نعم يجب جعل العمولة "صفر" لجذب المتداولين، والمقصود هنا التخلي عن العمولة من جميع الأطراف، تداول والوسطاء والهيئة، فالتخلي عن العمولة لفترة محدودة خير من فشل سوق كاملة تم إنفاق مبالغ طائلة عليها، ويجب ألا يقبل فشلها بأي حال من الأحوال.

السوق المالية في المملكة ليست صغيرة، وهناك طموحات كبيرة لجعلها واحدة من أكبر الأسواق المالية في العالم، وتوجد في المملكة سيولة مخاطرة ضخمة وفئات من المتداولين لديهم معرفة بأساليب التداول والاستثمار، ويفضلون القيام بذلك في المملكة وليس في أي دولة أخرى، ولذا هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق القائمين على السوق المالية بعمل ما يلزم لإنجاح ما يطرح من وسائل مالية متقدمة في السوق السعودية، وتجنب فشل أي منها مهما كانت الأسباب.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية