لا يكاد أن يخلو مجلس رجال أو سيدات أعمال، الحديث عن المخالفات والغرامات والرسوم التي تفرضها جهات حكومية على منشآت القطاع الخاص بمختلف أنواعها وأحجامها وتشكيلاتها وطبيعتها القانونية، مما تسبب على حد زعم مجتمع الأعمال بخروج العديد من المنشآت، وبالذات المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من السوق وقفل أبوابها أمام عملائها، حتى أن تولد لدى قطاع الأعمال قناعة بأن بعض الأجهزة الحكومية، أصبحت وكأنها أوعية ومراكز جباية للإيرادات لتحقيق مستهدفاتها ومؤشراتها المالية على حساب نمو قطاع الأعمال، هذه القناعة تولدت في ظل الممارسات الخاطئة التي يمارسها القائمين على رصد المخالفات وتحصيلها سواء أكانوا أفراد أم شركات الذين يُعتقد بأنهم يبحثون عن الأخطاء ويتصيدونها بغية تعزيز حجم وقيمة المخالفات لتحقيق الأهداف المالية الموكلة إليهم، وليس السعي وراء التنبيه والتصحيح والتوعية، ولعل المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي تتضح له الصورة أكثر من شكاوى أصحاب المنشآت التجارية من العبء المالي الذي تفرضه المخالفات والغرامات بما في ذلك الرسوم على الشركات والمنشآت لينتهي بها الأمر وللأسف الشديد الخروج من دائرة ممارسة العمل التجاري أو وكما يطلق عليه البعض بالبزنز Business.
ولكن وفي المقابل ومن باب العدالة والإنصاف وإن كنت لا أقلل من الأضرار التي تتسبب فيها المخالفات والغرامات بالعمل التجاري بسؤال يطرح نفسه: وهو هل من الممكن تجنب تلك المخالفات وبالتالي الغرامات بالتزام التاجر أو صاحب المنشآت بالتعليمات والإرشادات وبالذات البيئية والصحية منها؟، كما أنه هل من المعقول والممكن أن تتحول أجهزة الدولة، إلى أجهزة جباية للأموال على حساب القطاع الخاص وهو شريك استراتيجي لها في التنمية وتُعول عليه برفع مساهمته في الناتج المحلي غير النفطي من 40% إلى 65% بحلول عام 2030؟، كما أنه هل من باب العدل والانصاف أن جميع الشركات والمؤسسات التي خرجت من السوق وقفلت أبوابها، كان بسبب الرسوم والغرامات والمخالفات، أم لأسباب أخرى ترتبط بعدم دراسة السوق جيداً وتقليد الأخرين لهثاً وراء جني الأرباح السريع بعيداً وفي غياب تام عن عمل دراسة متعمقة للسوق وللطلب والعرض لتحقيق قيمة مضافة للسوق وللعملاء Value added سواء من حيث الخدمة المقدمة أو السلعة المباعة.
الأرقام والإحصائيات تشير إلى أن نمو السجلات التجارية بالربع الثاني من العام الجاري بنسبة 5% مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي 2022 لتصل 56,363 سجلا مصدرا. كما حققت المملكة المرتبة 17 عالما في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية الصادر عن معهد التنمية الإدارية العالمي ((IMD والمرتبة الثالثة بين دول مجموعة دول .G20 لعل اللائحة التنفيذية الجديدة للجزاءات والمخالفات المتعلقة بالبلديات على سبيل المثال ستحل الكثير من الإشكاليات السابقة، باعتبار أن تحديد مقدار الغرامات لجميع المخالفات يتم بناءً على جداول تصنيف للأمانات وللبلديات وأيضاً تصنيف للمنشآت التجارية حسب الحجم، كما أنها تفرق بين المخالفات الجسيمة والمخالفات غير الجسيمة، وبين وقوع المخالفة للمرة الأولى وتكرارها وتمنح أيضاً مهل تصحيحية.
كما أن وجود المنصة الوطنية للمخالفات (إيفاء)، والتي هي إحدى المنصات الوطنية التي ينفذها مركز المعلومات الوطني التابع للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي والتي تهدف إلى تمكين المواطنين والمقيمين والزائرين وأصحاب الأعمال من معرفة واستعراض كافة مخالفاتهم لدى الجهات الحكومية بكل يسر وسهولة، ستساعد على توحيد إجراءات المخالفات وتبسيطها وتحسينها، كونها تهدف إلى تحقيق الانضباط السلوكي ورفع الوعي لدى أفراد المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التزام أفراد المجتمع بالأنظمة والقوانين، برأيي أن مثل هذه المنصة ستنفي الكثير من ادعاءات أصحاب المنشآت بعدم علمهم بالمخالفات وأنها دائما ما تباغتهم بها الأجهزة الحكومية ذات العلاقة.
أختم مقالي بالقول إن المخالفات والغرامات دون أدنى شك قد تكون مرهقة لأصحاب المنشآت، وبالذات المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وقد فعلا تتسبب في خروجهم من السوق، ولكن برأيي أن تفادي الوقوع في دائرة المخالفات والغرامات أمر وارد ومن الممكن بالالتزام الحرفي بالتعليمات والإرشادات وزيارة منصة "إيفاء" سيساعد على تفادي الغرامات والمخالفات، والأهم من ذلك أن تكون هناك قناعة تامة لدى القطاع الخاص بأن الحكومة السعودية يهمها استمرارية الأعمال ونمو القطاع تحقيقا لمستهدفات رؤية المملكة 2030 من خلال رفع كفاءة أدائه وتحسين مستوى الحوكمة بالأجهزة الحكومية والتعزيز من فعاليتها في إدارة الإجراءات والخدمات المتعلقة بتحرير المخالفات، وتحقيقاً للتفوّق على المستويين الخدمي والمالي.
نقلا عن الرياض
اول مره تكتب شي مضبوط