نختم سلسلة مقالات مزيج الطاقة بالحديث عن الهيدروجين، مالئ الدنيا وشاغل الناس هذه الأيام، وسنركز في حديثنا عن الهيدروجين على القيمة الاقتصادية المقارَنَة للاستثمار في الهيدروجين، من منطلق توصيتنا بأن تكون مُحدِّدات المزيج الاقتصادي للطاقة متوائمة مع الموارد المتاحة والاستخدامات الممكِنة لهذا المزيج اقتصاديا، مع الالتزام بأسلوب الطرح الذي أسسنا له في سلسلة المقالات هذه، يتعامل الكثيرون مع الهيدروجين على أنه المنقذ والمخلّص من تغير المناخ والاحتباس الحراري، وفي المقابل، يراه الكثيرون فقاعة اقتصادية ستنفجر قريبا. في شهر أكتوبر من عام 2022، صرح وزير الدولة البريطاني للأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية جاكوب-رِيس موج إن الهيدروجين هو الحل السحري (Silver Bullet)i، وفي المقابل، يرى دافيد تَرْفَر أن اقتصاد الهيدروجين – كما هو مسوّق له حاليا في بريطانيا – هو عبارة عن فقاعة اقتصاديةii.
إن اقتصاد الهيدروجين، بمنحاه الحديث الذي يركز على تسويقه بديلا لمصادر الطاقة الهيدروكربونية (مع إقرار الجميع بأن الهيدروجين ليس مصدرا للطاقة، بل حاملا لها)، ما يزال في بداياته، وهو مثله مثل أي قطاع اقتصادي جديد ومكلّف، كلما ارتفعت وتيرة الاستثمار فيه وتلقى دعما حكوميا وحوافز ضريبية، انتشر وزادت نسبة استخدامه، وينقسم الهيدروجين من حيث طريقة الحصول عليه إلى ثلاثة أنواع: الرمادي والأزرق والأخضر. الرمادي ينتج من الوقود الهيدروكربوني عن طريق إعادة التشكيل بالبخار، ويصاحب إنتاج طن واحد من الهيدروجين بهذه الطريقة كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. أما الأزرق فيُنتج من أيضا من الوقود الهيدروكربوني عن طريق إعادة التشكيل بالبخار، ولكن جزءا كبيرا من غاز ثاني أكسيد الكربون المنتج يستخلص إما لدفنه وإما لإعادة استخدامه. والهيدروجين الأخضر هو الذي يُنتج من مصادر متجددة مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية عن طريق فصل الهيدروجين عن الأكسجين من الماء.
الذي لا يختلف عليه اثنان حاليا هو أن الهيدروجين الأخضر مكلف جدا، يليه في التكلفة الأزرق، وأخيرا الرمادي. ولكن الذي لا يكاد يُذكر عند الحديث عن الهيدروجين، هي الخصائص الفيزيائية التي تجعل من استخدام الهيدروجين، خاصة الأخضر، غير مجدٍ اقتصاديا في كثير من القطاعات، ومجدٍ في بعض القطاعات التي ليس لها بديل عن استخدام الهيدروجين، إذا توافر الدعم الحكومي والحوافز الضريبية الكافية، وسنضرب مثالا على هذه الخصائص الفيزيائية التي تقلل من فرص استخدام الهيدروجين في قطاع النقل الخفيف. تزيد كثافة الطاقة (Volumetric energy density) للبنزين المستخدم في محركات السيارات عن الهيدروجين الجوّي بحوالي 3400 ضعفا. ولاستخدام الهيدروجين في المحركات بديلا عن البنزين، ينبغي ضغط الهيدروجين إلى 700 بار، ومع ذلك تبقى كثافة الطاقة للبنزين أعلى من مثيلتها للهيدروجين المضغوط بحوالي 7.5 ضعفا. ولتفادي هذه المشكلة، طُرحت فكرة استخدام خلايا الوقود المعتمدة على الهيدروجين بديلا عن محركات البنزين، ولكن خلايا الوقود هذه تتطلب استخدام غاز هيدروجين عالي النقاوة، مما يرفع كثيرا من تكلفة إنتاجه واستخدامه، خاصة إذا كان أخضرا iii.
كما ذكرنا أعلاه، تتباين المواقف من اقتصاد الهيدروجين من متبنٍ للفكرة ومؤمن بأنها الحل السحري لتحديات التغير المناخي، وبين رافض لها. ولكن يوجد فريق وسطي يرى أن للهيدروجين استخدامات ملائمة يحسن الاستثمار فيها والتركيز عليها. ومن أفضل هذه الطروحات "سُلّم الهيدروجين" (Hydrogen Ladder) الذي طوّره مايكل ليبريشiv، والذي يرتب استخدامات الهيدروجين من الممكن والمتاح إلى الصعب إلى شبه المستحيل، من وجهة نظره والعاملين معه، وأعود وأذكر أن الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن اقتصاد الهيدروجين مكلف جدا، خاصة الهيدروجين الأخضر. ولن تحدث نقلة حقيقية وانتشار واسع في استخدام الهيدروجين دون حدوث أمرين: الأول فرض ضرائب عالية جدا على ثاني أكسيد الكربون، والثاني توفير دعم حكومي كبير، بأنواعه المختلفة، وحوافز ضريبية عالية، ودعونا نختم سلسلة المقالات هذه بسؤال: ما الذي سيحدث لاقتصاد الموارد الهيدروكربونية إذا أعيد توجيه هذه الاستثمارات الهائلة في قطاع الهيدروجين لإيجاد حلول حقيقية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون؟
إن الإجابة على هذا السؤال سيكون لها أثر كبير على خيارات صياغة مزيج الطاقة الاقتصادي لكل دول العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://www.rechargenews.com/energy-transition/set-a-target-of-heating-one-million-homes-with-hydrogen-by-2035-influential-uk-trade-association-tells-ruling-party/2-1-1328361 https://davidturver.substack.com/p/popping-the-hydrogen-bubble
https://doi.org/10.1007/s10098-023-02500-8
https://www.linkedin.com/pulse/hydrogen-ladder-version-50-michael-liebreich
خاص_الفابيتا
