إن هذه المقالة هي الثالثة في سلسلة مقالات المزيج الاقتصادي للطاقة، وتهدف هذه المقالة إلى اقتراح آلية جديدة وفريدة من نوعها للتعامل مع تحديات الحمل الذروي في المملكة عن طريق التكامل بين منظومتي تحلية المياه والكهرباء، إن أحد أهم التحديات التي تواجه منظومة الكهرباء في المملكة العربية السعودية هو التباين الكبير في الطلب على الكهرباء بين الشتاء والصيف، حيث يزيد الحِمل الذروي الكهربائي في الصيف حوالي 45% عن الحِمل الأدنى في الشتاء. في عام 2020 وصل الحِمل الذروي في المملكة إلى 62266 ميجاوات، وكانت الفترة التي زاد فيها الحِمل عن 61300 ميجاوات ثلاث ساعات فقط، موزعة على يومين في شهر أغسطس. أما الفترة التي زاد فيها الحِمل عن 60000 ميجاوات فكانت حوالي 95 ساعة موزعة على 32 يوما في شهري يونيو وأغسطس.
وعند النظر إلى منتجي الطاقة في المملكة، نجد أن الشركة السعودية للكهرباء هي التي تقع على عاتقها مسؤولية التعامل مع هذه المتغيرات إلى حد كبير بالإضافة إلى شركة مرافق، لأن الشركات الأخرى المنتجة للكهرباء يبقى مستوى التوليد عندها ثابتا في الصيف والشتاء إلى حد كبير، كما هو مبين في الشكل التالي . ولتوفير هذا الحمل الذي يستمر ساعات فقط، تحتفظ شركات الكهرباء عادة بمحطات قديمة تستخدمها عند الوصول إلى ذروة الطلب على الكهرباء تسمى باللغة الإنجليزية Peakers .
إن التعامل التقليدي مع الحمل الذروي يكون بإدارة الأحمال في الجانب الاستهلاكي للكهرباء، وكذلك برفع كفاءة التوليد والتوزيع في الجانب الإنتاجي للكهرباء. وتعمل الجهات التنظيمية والتشريعية على تفعيل إدارة الأحمال باستخدام أدوات مختلفة منها توعوية ومنها تنظيمية ومنها مالية. فعلى سبيل المثال، تستخدم التعرفة المتغيرة لتشجيع المستهلكين على تغيير وقت تشغيل بعض الأجهزة أو خطوط الإنتاج من فترة الذروة في النهار إلى الليل، أو من وسط الأسبوع إلى نهاية الأسبوع. وتضع بعض الدول قيودا على استخدام الأجهزة الكهربائية ذات الكفاءة المنخفضة، كما تضع حوافز لترشيد استهلاك الكهرباء.
إن هذه الحلول معروفة ومنتشرة، ولكن توجد حلول أخرى ما يزال الكثير منها في مراحله الأولية أو قيد التجربة. من هذه الحلول توليد الكهرباء في فترات انخفاض الحِمل ثم تخزينها لاستخدامها وقت ارتفاع الحِمل، مثل استخدام الكهرباء وقت انخفاض الحِمل لضخ الماء إلى أعلى بحيرة السدّ ثم استخدام الطاقة المائية لتوليد الكهرباء وقت ارتفاع الحِمل. ولكن للدول التي لا تتوافر لديها مثل هذه الأنظمة المائية الضخمة، فإن هذا الحل غير وارد، بالإضافة إلى أن تقنيات تخزين الطاقة الأخرى بسِعاتٍ كبيرة لفترات طويلة مكلّفة جدا.
هل توجد هناك حلول أخرى؟ الجواب نعم. وسنقتصر في هذه العُجالة على مقترح لأحد الحلول قابل للتطبيق في المملكة العربية السعودية، وفي عدد محدود من الدول ذات الظروف المشابهة. إن الحل المقترح يكمن في الربط التكاملي بين إدارة منظومة الكهرباء ومنظومة تحلية المياه باستخدام التناضح العكسي.
كما رأينا أعلاه، فإن الألف ميجاوات الأعلى من الحمل الذروي تستمر ثلاث ساعات فقط في السنة. وتُستخدم في توليدها عادة إحدى المحطات الاحتياطية (Peaker). ولكننا نستطيع في هذه الساعات الثلاث، عوضا عن تشغيل محطة توليد كهرباء إضافية، تقليص الطاقة الموجّهة لمحطات تحلية المياه باستخدام التناضح العكسي، وإعادة توجيه تلك الطاقة إلى شبكة الكهرباء بشكل تدريجي يستجيب لارتفاع وانخفاض الطلب آنيا، في حدود الألف ميجاوات المطلوب توفيرها.
إن خفض الطاقة المستخدمة في محطات التحلية بشكل تدريجي وجزئي ليس له أثر سلبي على أداء المحطة، ولا على المرشحات (Membranes) المستخدمة، إذا أديرت العملية بالشكل الصحيح. ولكن كمية المياه المحلاة ستنقص قليلا خلال الفترة التي أعيد توجيه جزء من الطاقة التشغيلية الخاصة بالتحلية إلى شبكة الكهرباء. ولكن يمكن تعويض ذلك من خزانات المياه التي تستخدم لضخ المياه للمستخدمين. وعند استخدام شبكة خزانات المياه المنتشرة في أرجاء المملكة، بشكل تكاملي مع محطات تحلية المياه بالتناضح العكسي، يمكن توفير كمية أكبر من الطاقة خلال فترات الذروة دون أثر سلبي على تشغيل محطات التحلية أو على ضخ المياه المحلاة للمستهلكين، مما يقلل من الحاجة للإبقاء على محطات توليد كهرباء احتياطية لا تشغل إلا أياما قليلة في السنة.
هذا الحل المقترح – حسب علمنا – لم يسبق طرحه من قبل، ولا يمكن تنفيذه إلا في دولة مثل المملكة العربية السعودية حيث محطات تحلية المياه المالحة التي تعمل بالتناضح العكسي متصلة بشبكة نقل وتوزيع الكهرباء، وفي الوقت نفسه متصلة بشبكة توزيع وتخزين المياه.
هناك حلول أخرى لعلنا نتطرق لبعضها في المقالة التالية بإذن الله.
اعنقد انتا اذا نجحنا فى خفض زيادة الاحمال السنوية الغير ضرورية فسيتم حل اشكالات ذروة الاحمال الحادة جدا والقصيرة جدا. فخلال السنوات العشر الماضية ارتفعت الزيادة السنوية من 3-4 % سنويا - بينما سجلنا قبل عقد واحد زيادة سنوية بمقدار الضعف عن هذه الارقام - هذا يعتي ضرورة اضافة محطة توليد جديدة لتغطية الزيادة السنوية (3-5% فقط) اي بقدرة 3000 ميقاوات كل عام ! وبتكلفة تزيد عن 10 مليار ريال على الاقل ! وسيترتب على هذا عبء كبير على ميزانية الشركة وسترتفع القروض البنكية, لذلك فالترشيد ضرورة وليست خيار. الشركة تنتج 70 قيقاوات (70000 ميقاوات) وهذه قدرات كبيرة وفى حال عدم الترشيد سيكون الارتفاع بالاحمال عالي جدا وحاد جدا فى فترة الذروة (من الساعة الواحدة ظهرا الى الخامسة عصرا) , اعتقد ان على الشركة بعد استكمال مشاريع العدادات الذكية الى خفض التعرفة خارج فترة ذروة الاحمال بغرض ترحيل الاحمال الغير الضرورية خارج وقت الذروة بتثقيف ربات البيوت لتأجيل الاعمال الغير ضرورية خلال هذه الفترة الحرجة مثل الغسيل والكوي وغيره الى ما بعد الساعة الخامسة عصرا على ان تكون بتعرفة كهربائية منخفضة ومشجعة بهدف خفض احمال الذروة المزعجة وهذا لا شك يستدعي الى عملية ترشيد وتثقيف كبيرة مما يخفض فاتورة المشترك بالإضافة لخفض احمال الذروة المكلفة جدا ماديا على الشركة وعلى استقرار شبكة اكبر شركة كهرباء بالشرق الاوسط . والله اعلى واعلم
شكرا لتعليق المفصّل، أيها الكريم. التفاصيل التي ذكرت عن موضوع إدارة الحمل مهمة ولا شك، وكنتُ أشرتُ إليها في المقالة أعلاه، ولكن: ألا تتفق معي أنه عندما تتوافر لديك حلول مختلفة، فمن المنطقي أن تفعّلها كلها أو معظمها، ولا تقتصر على حلول تقليدية، قد لا يكون أثرها ملموسا؟
لا شك في ذلك شكرا للطرح المميز,,,
اكبر خطأ هو زيادة تعرفة الكهرباء بشكل مبالغ فيه يفوق قدرة بعض الاسر على دفع قيمتها استنادا على مبالغ الدعم وهذا سوف يؤدي الى قيام البعض بالتحايل وسرقة الكهرباء ومن ثم سيقوم بالافراط في استخدامه وتشغيل كل ما يحتاجه وما لا يحتاجه ومن ثم سوف يزيد الضغط على الشبكه ويؤدي الى انقطاعات وحرائق واعطال كبيره بالشبكه ولن تقدر الشركه على مكافحة وتتبع كل تلك التجاوزات وان فعلت سوف يزيد تكاليف التشغيل والخاسر الاكبر هو المستهلك النظامي ومن بعدها الشركه والجميع .
شكرا لتعليقك أيها الكريم