الآلام الإسرائيلية

07/11/2023 0
د. عبدالله الردادي

شهر مضى منذ بداية طوفان الأقصى، ذهب ضحية هذه الحرب آلاف الأبرياء ممن لا ذنب لهم، ووقف المجتمع الدولي رافعاً إصبع التحذير من مخالفة قانونه الذي اتضح أنه صوري وانتقائي. وانطلقت إسرائيل تسفك الدماء دون رادعٍ، متذرعة بحجّة الدفاع عن النفس، ومؤمنة بأن هذه الحرب ضرورية للوصول إلى مبتغى لا يدرك العالم حتى الآن خطورته. إسرائيل وعلى الرغم مما سببته من دمار وأشلاء في قطاع غزة، فإنها تتألم في كل يوم من نواحٍ أمنية واجتماعية وسياسية، اجتمعت هذه النواحي لتشكل مزيجاً ضرب اقتصادها بشكل موجع في فترة لم تتجاوز الشهر، الحرب تكلّف إسرائيل نحو 250 مليون دولار في اليوم، هذه هي التكلفة المباشرة التي تدفعها الحكومة الإسرائيلية، ولكن الحرب تكلف الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من ذلك. ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول)، انخفض الشيقل الإسرائيلي إلى أدنى مستوياته منذ عام 2012، واستمرت العملة في انخفاض لنحو أسبوعين في أكبر سلسلة خسائر لها منذ 1984. وخفّض البنك المركزي توقعاته للنمو هذا العام من 3 في المائة إلى 2.3 في المائة بفعل النتائج المتوقعة في الربع الأخير من العام، وقد ينكمش الاقتصاد في هذا الربع بنحو 11 في المائة على أساس سنوي.

التكاليف غير المباشرة أكبر بكثير، فمنذ بداية الحرب انتقل نحو 200 ألف مستوطن من الجنوب إلى الشمال هرباً من الحرب، كل هؤلاء تركوا أعمالهم مما عطل الأنشطة الاقتصادية، كما استدعت الحكومة الإسرائيلية 360 ألف جندي احتياطي يشكلون ما نسبته 8 في المائة من القوى العاملة في إسرائيل، وهم، بحسب المصادر، الموظفون الأكثر إنتاجية في أعمالهم. هذا النزوح السكّاني سبب شللاً اقتصادياً للعديد من الأنشطة الاقتصادية، وهو ما أكد أن عدد الإسرائيليين لا يكفي للقيام بالأنشطة الاقتصادية والحرب معاً، وانعكس ذلك في خسائر بورصة تل أبيب التي خسرت في شهر أكتوبر 11 في المائة، أي ما يقارب 39 مليار دولار من قيم شركاتها السوقية. وشمل ذلك جل الشركات المدرجة، حيث انخفضت 94 في المائة من الشركات المدرجة في البورصة. وقد تأثرت قطاعات عديدة خلال الحرب، فتوقف قطاع الإنشاءات بشكل شبه كامل، وهو بذلك يخسر نحو 37 مليون دولار يومياً. كما تراجع الناتج الصناعي بنحو 25 في المائة لأسباب منها نقص اليد العاملة، وتأثر كذلك قطاع التقنية الذي يعد أحد أهم الروافد الاقتصادية لإسرائيل.

واتضحت تحديات ما بعد الحرب للحكومة الإسرائيلية، ففي رسالة أرسلها منتدى الاقتصاديين الإسرائيليين لحكومتهم، حذروا من التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب، وطالبوا بإعادة فتح ميزانية العام القادم - وهو أمر غير مسبوق - لكونها لا تتسق مع الوضع الراهن أو المستقبل القريب. كما أنهم بدأوا في رسم سيناريوهات إعادة تشكيل الأولويات للميزانيات القادمة، وجاء في بداية ذلك خفض الميزانيات المخصصة لليهود المتطرفين الذين يشكلون ثقلاً انتخابياً لا يمكن لأي حكومة أو مرشح انتخابي تحديه، وأمام الحكومة معضلة أخرى وهي انخفاض إيراداتها، فحتى قبل بدء الحرب كانت الإيرادات الحكومية منخفضة بنسبة 8 في المائة، وجاءت الحرب بأولى نتائجها وهي انخفاض الطلب المحلي، فمع أحداث الحرب بقي الناس في منازلهم لتظل المطاعم ومراكز الأسواق خالية. ولذلك نتيجتان، الأولى هي انخفاض العائد الضريبي، والثانية هي مطالبة هذه الأعمال التجارية بتعويضات وحزم مساعدة تشبه تلك التي وفرتها الحكومات أثناء الجائحة. والحكومة أيضاً مضطرة إلى دفع تكاليف نزوح السكان من قرى كاملة وإيوائهم في فنادق مدفوعة التكاليف، إضافة إلى دفع رواتب المجندين الاحتياطيين. كل هذه التكاليف ستدفع بالعجز الحكومي للقفز من 3 إلى 8 في المائة بحسب التوقعات. والاقتراض لتعويض هذا العجز لن يكون سهلاً، فمع ارتفاع تكلفة القروض، وخفض التصنيف الائتماني والنظرة المستقبلية لإسرائيل، فهي ستواجه صعوبات في الاستدانة، حتى مع الانخفاض النسبي لديونها.

هذه هي الحرب الأكثر ألماً في تاريخ إسرائيل القصير، فحتى أحداث غزة عام 2014 التي استمرت لسبعة أسابيع وقبلها الحرب مع «حزب الله» عام 2006 لم تؤثرا على الأنشطة الاقتصادية كما هو اليوم. هذه الحرب التي لم تنته، أعادت الاقتصاد الإسرائيلي لسنوات إلى الخلف، فإعادة إصلاح ما فسد لن تكون سهلة، والازدهار الاقتصادي سيكون أقل بسبب المطالبات الحالية برفع الإنفاق العسكري والدفاعي. والأهم من ذلك أن الأمان الزائف الذي كانت الحكومة تسوّق له أصبح مكشوفاً للمستثمرين الذين بالفعل بدأوا ببيع أصولهم بكثافة خلال الأسابيع الماضية. وستتوسع القطاعات المتضررة في المستقبل بما فيها قطاعا الطيران والسياحة. وما قد يزيد الوضع سوءاً أن إطالة الحرب في مصلحة الحكومة الحالية، في تعارض واضح بين المصلحتين الاقتصادية والسياسية، أي أن المستقبل ما زال يحمل المزيد من الآلام لهذا الاقتصاد.

رحم الله إخواننا المسلمين في غزة، وربط على قلوبهم وجبر مصابهم، وأزال هذه الغمة عنهم.

 

 

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط