الاستثمار في شركات الرقائق الإلكترونية

15/10/2023 3
د. فهد الحويماني

اتجهت الأنظار في العامين الماضيين نحو شركات الرقائق الإلكترونية المستخدمة في عدة مجالات، من أجهزة الحاسب والهواتف المحمولة إلى أجهزة التلفزيون والكاميرات والأجهزة المنزلية والسيارات والأجهزة الطبية والعسكرية والصناعية، وفي مجالات أخرى تشمل الزراعة والخدمات البنكية وغير ذلك. إلى أين تتجه صناعة الرقائق الإلكترونية، وما أبرز الشركات المناسبة للاستثمار في ذلك؟، التوقعات تشير إلى نمو تراكمي سنوي في الإيرادات بمقدار 7 في المائة يصل بها إلى مستوى تريليون دولار سنويا بحلول 2030، ما يعني أننا أمام مجال صناعي واعد، وهذا ما يبحث عنه المستثمرون على المدى الطويل، كون أول خطوة في الاستثمار اختيار المجالات المرشحة للنمو والصمود لأعوام طويلة. المشكلة التي تواجه القطاع أن هناك حاجة ماسة إلى مضاعفة حجم الإنتاج الحالي لتلبية الاحتياجات المستقبلية، غير أن هناك صعوبات كثيرة أمام تحقيق ذلك، منها تمركز مراحل التصنيع على مناطق جغرافية معينة، إلى جانب ضخامة حجم الاستثمارات اللازمة لإنشاء وتشغيل وإدارة هذه المنشآت، الولايات المتحدة استيقظت من سبات طويل لم تكن تكترث فيه إلى أهمية توطين صناعة الرقائق الإلكترونية والاعتماد على النفس، وذلك حين برزت مشكلة شح الشرائح الإلكترونية وعراقيلها اللوجستية أثناء أزمة كورونا، حيث كانت عملية التصنيع لعقود من الزمان متروكة لشركات شرق آسيوية استفادت من نموذج "فابلس" الذي يعني ترك مهمة التصنيع الفعلية لشركات متخصصة والتركيز على التصميم والابتكار والاختبارات والجودة، وبالفعل ازدهرت بسبب هذا النموذج الفعال سوق الرقائق الإلكترونية حول العالم، إلى أن تبينت أخيرا مشكلة الاعتماد على جهة واحدة أو جهتين وخطورتها على الصناعة وعلى الدول التي تعتمد عليها.

ما زاد الطين بلة بروز تحديات جيواقتصادية، كما وصفها صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير الصادر قبل عدة أيام، حيث بدأ يتضح شيئا فشيئا أن العالم يتجه نحو انقسام اقتصادي مكون من تحالف أمريكي ـ أوروبي من جهة وتحالف روسي ـ صيني من جهة أخرى، والمشكلة أن ذلك له تأثيرات بالغة في عدة مجالات، أحدها وربما أهمها في الوقت الحاضر صناعة الرقائق الإلكترونية التي تتميز بها وتستحوذ عليها بشكل رئيس كل من تايوان وكوريا الجنوبية، على وجه الخصوص في مجال صناعة أشباه الموصلات ما دون 10 نانومتر، أما الصين ودول أخرى أوروبية وأمريكا فلديها صناعات بمساحات 10 نانومتر وأعلى من ذلك، وبالطبع جودة الإنتاج تأتي من خلال أشباه الموصلات على مساحات 5 نانومتر وما دون، لما لذلك من ميزات تنافسية وتصنيعية عالية، لذا قامت الولايات المتحدة بإطلاق برنامج وطني ضخم لتحفيز توطين صناعة الرقائق، بتقديم منح مالية تتجاوز 50 مليار دولار للشركات التي تقيم مصانعها داخل الولايات المتحدة، حيث يقدر حجم الاستثمارات حتى 2030 بنحو 260 مليار دولار، توزعت بين مشاريع جاهزة بمقدار 44 مليار دولار، وبنحو 40 إلى 80 مليار دولار لمشاريع تحت التنفيذ، ومشاريع بمقدار 139 مليار دولار تم الإعلان عنها، وذلك بحسب تقرير صدر مطلع العام الجاري من قبل بيت الاستشارات مكنزي.

التحديات التي تواجه أمريكا في سبيل بناء مصانعها الخاصة تتلخص في صعوبة الحصول على الكوادر المؤهلة لهذا النوع من التقنية وقلة عددها في أمريكا، وهذا أحد أسباب نجاح شرق آسيا نتيجة توافر الأيدي العاملة المؤهلة والكافية، وثاني التحديات يتعلق بالاشتراطات المتعلقة بحماية البيئة، بحسب تقرير مكنزي، حيث هناك فقط 60 شركة من ألفي شركة لديها أهداف معلنة وخطط لتحقيق الاشتراطات البيئية، وبحسب الدراسات فإن نحو 70 في المائة من الانبعاثات المتعلقة بصناعة الهواتف المحمولة واستعمالها تأتي بسبب صناعة الهواتف ذاتها ورقائقها الإلكترونية، ثم هناك تحديات أخرى تواجه الصناعة الأمريكية تتعلق بسلسلة الإمدادات وبيئة الصناعة، وذلك لوجود عدة مراحل تمر بها العملية الصناعية من خلال خمس دول على الأقل، إلى جانب ثلاث أو أكثر من عمليات الشحن والنقل، وكذلك هناك الصعوبات الروتينية المتعلقة بالتعامل الحكومي للحصول على الحوافز المالية وغيرها، وندرة القيادات الإدارية التي لديها الخبرة بإدارة منشآت صناعية كبيرة الحجم، بالغة التعقيد.

في المقابل تقوم الحكومة الأمريكية، ويساعدها في ذلك بعض الدول الأوروبية، بعرقلة الصناعة الصينية بعدة طرق كوضع قيود على تصدير أجهزة أشباه الموصلات الأمريكية والأوروبية المستخدمة في الصناعة والتي تحتاج إليها الصين، بعضها أجهزة غير موجودة إلا لدى شركة هولندية واحدة، تصل تكلفة الجهاز الواحد منها إلى 300 مليون دولار، وتستخدم في معالجة الرقائق بطرق فيزيائية متقدمة. هناك الشركات العاملة في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية دون امتلاكها مسابك خاصة بها وهي كثيرة وتشمل شركة إنفيديا وAMD وكوالكوم وبرودكوم، أما الشركات التي لديها مسابكها الخاصة فهي قليلة وأهمها شركة إنتل، الشركة التي تصنع معالجات الحاسبات منذ عشرات الأعوام، إلى جانب شركة تكساس إنسترومنتس وشركة مايكرون وشركة جلوبال فاوندريز وشركة سامسونج الكورية، كما أن الشركة التايوانية الكبرى تي أم سي تقوم حاليا ببناء مصنع لها في أمريكا.

لذا من يرغب الاستثمار في صناعة الرقائق الإلكترونية بشكل عام يمكنه اختيار إحدى الشركات المعروفة بالتصميم والإنتاج وأشهرها إنفيديا، أو التوجه نحو إحدى شركات التصنيع والمسابك مثل إنتل وشركة تي أم سي التايوانية، أو الاتجاه إلى شركة ASML الهولندية التي لديها ميزة احتكارية في تصنيع الأجهزة المستخدمة في تصنيع الرقائق الإلكترونية، ويستفيد منها جميع شركات القطاع. كما إن هناك شركة LRCX الأمريكية المتخصصة في تصميم وتصنيع وتسويق معدات معالجة أشباه الموصلات ومعالجة السيليكون عبر تطبيقات الحفر، إلى جانب شركة AMAT الأمريكية الرائدة المتخصصة في تقديم حلول هندسة المواد المستخدمة لإنتاج الشرائح الجديدة وتعديل المواد على المستويات الذرية. وهناك بالطبع الصندوق المتداول SMH وهو عبارة عن مجموعة شركات مختصة في صناعة أشباه الموصلات، قيمته السوقية حاليا نحو 9.5 مليار دولار، وهو مرتفع بنسبة 73 في المائة خلال الـ12 شهرا الماضية.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية