تواجه شركات الطاقة والحكومات في العالم تحديا يتمثل في التوفيق بين أمن إمدادات الطاقة واستدامتها أثناء تحولها نحو نظام طاقة جديد. فمنذ بدء الأزمة الأوكرانية في العام الماضي وما تبعها من أزمة طاقة عالمية غيرت شركات النفط والغاز الكبرى في العالم موقفها بشأن استراتيجيات خططها المستقبلية. على الرغم من أن جميع الشركات الأوروبية الكبرى مستمرة في استهداف صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050، إلا أن بعض أكبر الشركات، بما في ذلك "بريتش بتروليوم" و"شل"، قلصت وعودها بخفض إنتاج النفط والغاز، وأشارت إلى أنها ستكون جاهزة لتزويد العالم بها، طالما أنه في حاجة متزايدة إليها، لذلك، ليس من المستغرب -من وجهة نظر الأعمال- أن تضاعف الشركات التي لديها أعمال أساسية في مجال النفط والغاز استثماراتها لاستخراج مزيد من هذه الموارد. في السابق، كانت الشركات عادة تتعرض لضغوط شديدة لتحقيق أرباح للمساهمين في الصناعة التي تشهد فترات ازدهار وكساد متكررة. لكن في هذا العقد، تعرضت أيضا لضغوط شديدة من المستثمرين للالتزام بالحوكمة البيئية والاجتماعية وخفض الانبعاثات. لكن في أعقاب أزمة الطاقة العام الماضي وتقلب تدفقات النفط والغاز العالمية رأسا على عقب، عادت الشركات العالمية الكبرى إلى العمل على زيادة إنتاج النفط والغاز، قائلة إنها ستظل حاسمة لنظام الطاقة العالمي لعقود طويلة.
في 2022، ظل استهلاك الوقود التقليدي كنسبة مئوية من الطاقة الأولية ثابتا عند 82 في المائة، وفقا للمراجعة الإحصائية للطاقة لمعهد الطاقة العالمي لعام 2023، وهو تقرير سنوي كانت تصدره شركة بريتيش بتروليوم سابقا. وفي الوقت نفسه، واصلت الانبعاثات المرتبطة بالطاقة ارتفاعها، لتصل في عام 2022 إلى 34.4 مليار طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أو بزيادة قدرها 0.9 في المائة عن 2021، وفقا للتقرير. على الرغم من ذلك، تحدت شركات النفط الكبرى دعاة حماية البيئة والمستثمرين ذوي التوجهات البيئية والاجتماعية والحوكمة، بالقول إن النفط والغاز مصدران مهمان للطاقة بحيث لا يمكن استبعادهما بسهولة من نظام الطاقة العالمي.
في هذا الجانب، قالت شركة بريتش بتروليوم وشل، في وقت سابق من هذا العام، إنهما ستستثمران بشكل أكبر في مشاريع النفط والغاز أكثر مما كان مخططا له في السابق، وستضخان مزيدا من الهيدروكربونات لفترة أطول لتلبية احتياجات العالم المتزايدة. وقال الرئيس التنفيذي لشركة شل "لا يوجد حل واحد. من الأهمية بمكان أن يتجنب العالم تفكيك نظام الطاقة الحالي بشكل أسرع من قدرتنا على بناء نظام طاقة جديد"، وأضاف في مناسبة لاحقة، "إن خفض إنتاج النفط والغاز العالمي سيكون خطيرا وغير مسؤول، لأن العالم لا يزال في حاجة ماسة إلى تلك الهيدروكربونات". وبالفعل، سيستمر النفط والغاز في لعب دور حاسم في نظام الطاقة العالمي لعقود طويلة مقبلة. إن استمرار الاستثمار في النفط والغاز أمر بالغ الأهمية لضمان التحول المتوازن في مجال الطاقة، بسبب الطلب المتزايد على الطاقة، فضلا عن معدلات الانخفاض الطبيعي في إنتاجية الآبار والنقص الحاد في الاستثمار في الأعوام الأخيرة.
إضافة إلى ذلك، تجب الموازنة بعناية بين أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف والاستدامة. لقد تجادل صناع السياسات منذ فترة طويلة مع معضلة ثلاثية: كيفية تحقيق أمن الإمدادات، إبقاء الأسعار معتدلة للمستهلك، وحماية البيئة، إن أزمة الطاقة الحالية تجبر الحكومات على تقييم أولوياتها مرة أخرى. الأمن والقدرة على تحمل التكاليف يعودان إلى الواجهة بقوة. صحيح أن صناع السياسات يصرون على عدم التراجع عن معركتهم في تحول الطاقة. لكن من الواضح أن تحول الطاقة لم يعد الأولوية المطلقة. وفي أحسن الأحوال، هو الأول مع آخرين. وفي أسوأ الأحوال يأتي في المرتبة الثانية أو حتى الثالثة.
كان الأمن والقدرة على تحمل التكاليف واستدامة العرض من الموضوعات الرئيسة في المناقشات التي دارت الأسبوع الماضي في مؤتمر البترول العالمي الـ24 في مدينة كالغاري الكندية، حيث شارك في المؤتمر المديرون التنفيذيون لشركات النفط الكبرى، بما في ذلك شركات الرمال النفطية الكندية، أرامكو، والشركات العالمية الأخرى. الموضوع الرئيس للحدث هو "تحول الطاقة: الطريق إلى الحياد الصفري". ويعد مؤتمر البترول العالمي الذي يعقد كل ثلاثة أعوام، حدثا عالميا بارزا. وشاركت المملكة، ممثلة في وزارة الطاقة، في الدورة الحالية، مواصلة دورها الريادي في تعزيز أمن واستقرار واستدامة أسواق النفط والغاز العالمية. وتم خلال المؤتمر تكريم رئيس أرامكو ومديرها التنفيذي تقديرا لقيادته ومساهماته في صناعة النفط والغاز. تجدر الإشارة هنا إلى أن مؤتمر البترول العالمي الـ25 سيعقد في المملكة. حيث، وقع الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، مذكرة تفاهم مع بيدرو ميراس رئيس مجلس البترول العالمي، بشأن استضافة المملكة النسخة الـ25 من المؤتمر في 2026.
من أبرز مخرجات المؤتمر أن شركات النفط العالمية لم تتخل عن تحول الطاقة، لكنها أيضا لم تتخل عن النفط والغاز. على العكس من ذلك، تشير التصريحات الأخيرة للمسؤولين التنفيذيين، إلى أن الشركات ستتطلع الآن إلى تطوير مزيد من موارد النفط والغاز مع التركيز على خفض الانبعاثات والتخطيط بعناية لاستثماراتها في مصادر الطاقة منخفضة الكربون وعدم ترك العالم يتضور جوعا لمصادر الطاقة التقليدية، في حين إنه لا يزال في حاجة ماسة إليها، في هذا الجانب، حذر رئيس شركة أرامكو من حدوث أزمة طاقة أكثر خطورة، مشيرا إلى احتمال حصول فجوة في مجال تحول الطاقة بين شمال العالم وجنوبه. وأشار إلى المخاطر المتعلقة بالتخلص من الطاقة التقليدية قبل الأوان.
والقدرة على تحمل التكاليف هي أيضا جزء من معضلة الطاقة الثلاثية. في هذا الجانب، طرح رئيس مجلس البترول العالمي في كندا وهو من منظمي الحدث في كالغاري، سؤالا مهما للغاية: "كيف يمكننا إدارة التحول دون ترك الناس تعاني فقر الطاقة؟ الجواب عن ذلك، وفقا لكبار المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط هذا العام: يمكن أن يكون تحولا للطاقة مدارا بعناية دون التطرق إلى مبدأ "تركه في الأرض" أو اتباع نهج "إما أو" في التعامل مع استثمارات الطاقة، في حين العالم يحتاج إلى مزيد من النفط والغاز.
نقلا عن الاقتصادية