لقد كان سبتمبر الشهر الأكثر نجاحا هذا العام بالنسبة إلى أسعار النفط، مدعوما باختلال التوازن المتزايد بين الطلب والعرض، ونمو الناتج الصناعي الصيني أسرع من المتوقع. كما أن ارتفاع معدلات تكرير المصافي الصينية إلى مستويات قياسية دعمت الأسعار أيضا، حيث قامت بمعالجة نحو 15.23 مليون برميل في اليوم في الشهر الماضي، وفي نهاية أغسطس، ارتفعت أسعار المستهلك في الولايات المتحدة 0.6 في المائة على أساس شهري، و3.7 في المائة على أساس سنوي. في حين، ارتفع معدل التضخم الأساسي 0.3 في المائة على أساس شهري، و4.3 في المائة على أساس سنوي. وبالنسبة إلى أسعار النفط، يعد هذا عاملا سلبيا، حيث تؤدي المعدلات المرتفعة إلى قمع النشاط الاقتصادي والطلب على الوقود. من جهة أخرى، أظهر أحدث البيانات الأسبوعية الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة، أن مخزونات الخام الأمريكية ارتفعت بمقدار أربعة ملايين برميل إلى 420.6 مليون برميل. وهذه زيادة كبيرة مقارنة بتوقعات استطلاع أجرته "رويترز" لانخفاض قدره 1.9 مليون برميل، ومقارنة بانخفاض قدره 6.3 مليون برميل في الأسبوع الذي سبقه الذي أعقب بدوره انخفاضا كبيرا آخر في المخزون قدره 10.6 مليون برميل في الأسبوع السابق لذلك. تم إجراء هذه السحوبات الكبيرة خلال موسم ذروة الطلب، وهناك احتمال أن تتراجع عمليات سحب المخزون الآن أو ربما تنعكس مع انخفاض الطلب موسميا.
وجاء نمو المخزونات مقابل زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة بمقدار 100 ألف برميل يوميا إلى 12.9 مليون برميل يوميا، وارتفاع حاد في صافي الواردات بمقدار 2.7 مليون برميل يوميا. في حين انخفضت صادرات النفط الخام بمقدار 1.9 مليون برميل يوميا. وارتفع إجمالي إمدادات المنتجات البترولية، وهو مؤشر غير مباشر للطلب على الوقود، من 20.2 إلى 21 مليون برميل يوميا.
في تقريرها الشهري الأخير، تتوقع الإدارة أن يصل الطلب العالمي إلى مستوى 100.97 مليون برميل يوميا في 2023، و102.33 مليون برميل يوميا في 2024، حيث تم تخفيض التوقعات بمقدار 0.2 و 0.5 مليون برميل يوميا على التوالي. ويعود هذا الانخفاض إلى تدهور توقعات الاستهلاك في الولايات المتحدة، إضافة إلى التغير في طريقة تصنيف الإدارة للمواد الخام والمنتجات البترولية. لكن، هذه التوقعات الهبوطية فشلت في إقناع المتداولين بالتخلي عن المشاعر الصعودية.
بدلا من ذلك، تم التركيز على تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية من قبل المملكة وروسيا، حيث مدد البلدان تخفيضات الإنتاج بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام، وهو ما دفع بنك أوف أمريكا، إلى رفع توقعاته لأسعار العقود الآجلة لخام برنت فوق عتبة 100 دولار للبرميل قبل نهاية العام. من ناحية أخرى، تضمن تقرير "أوبك" الأخير عن سوق النفط بعض الرسائل المهمة، حيث أبقت المنظمة على توقعاتها لنمو الطلب دون تغيير عند 2.44 مليون برميل يوميا في 2023، و2.45 مليون برميل يوميا في 2024. وتوقع التقرير عجزا قدره 3.3 مليون برميل يوميا في الربع الأخير من العام.
وعززت توقعات الطلب الصعودية من قبل منظمة "أوبك" وتوقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بانخفاض مخزونات النفط العالمية، آراء السوق بشأن تشدد العرض في المستقبل. في هذا الجانب، ظل محللو السلع في بنك ستاندرد تشارترد ثابتين في المعسكر الصعودي. وأشار المحللون إلى أن أسعار النفط ارتفعت في الربع الثالث بسبب الانخفاض الحاد في المخزونات الناجم عن الطلب الزائد، وتوقعوا أن تستمر هذه الديناميكية في الربع الرابع. وفقا لنموذج الطلب الخاص بالبنك، ارتفعت مخزونات النفط الخام العالمية بمقدار 203 ملايين برميل في النصف الثاني من 2022، لكنها توقعت تحولا بمقدار 180 درجة عن هذا الاتجاه، مع توقع انخفاض المخزونات العالمية بمقدار 313 مليون برميل في النصف الثاني من 2023.
وتوقع محللو البنك أيضا أن يبلغ متوسط السحوبات 1.4 مليون برميل يوميا في الربع الرابع، أي أقل من متوسط الربع الثالث البالغ 2.0 مليون برميل يوميا وذروة السحب في أغسطس البالغة 3.1 مليون برميل يوميا، ما يمثل تشديدا إضافيا كبيرا من قاعدة المخزونات المنخفضة بالفعل. وفي الوقت نفسه، يتوقع الخبراء أن يستمر نمو الطلب الصيني بطيئا نسبيا، وأن يكون نمو العرض الأمريكي سريعا نسبيا. وبشكل عام، فإنهم يتوقعون بقاء صافي عجز كبير، مدعوما إلى حد كبير بالانخفاض الكبير في إمدادات أوبك على أساس سنوي. والآن إلى الجزء الخاص بالأسعار، حيث توقع بنك ستاندرد تشارترد أن يبلغ متوسط أسعار خام برنت في الربع الأخير من 2023 نحو 93 دولارا للبرميل، وهو توقع ظل دون تغيير تقريبا خلال الـ15 شهرا الماضية، على الرغم من تداول خام برنت عبر نطاق واسع يبلغ 50 دولارا للبرميل خلال تلك الفترة. ومع ذلك، حذر المحللون من أن توقعاتهم هي متوسط الفترة الزمنية، وبالتالي لم يستبعدوا ارتفاعا خلال الربع الرابع فوق 100 دولار للبرميل. وفي الواقع، فإنهم واثقون بأن أسعار النفط من المرجح أن تحقق مفاجأة في الاتجاه الصعودي.
في ضوء هذه التطورات تحولت صناديق التحوط إلى الاتجاه الصعودي. قبل ثلاثة أشهر فقط، كانت أسواق النفط هبوطية للغاية ومليئة بعمليات البيع الكبيرة، وذلك بفضل وفرة المحفزات السلبية بما في ذلك مستويات المخزون المرتفعة، وارتفاع الإمدادات من روسيا، إيران، وفنزويلا، وضعف الطلب العالمي والتعافي دون المستوى من قبل الاقتصاد الصيني. لكن معنويات السوق تحسنت الآن بشكل كبير للغاية، مع اندفاع صناديق التحوط مرة أخرى إلى سوق النفط برهاناتها الأكثر تفاؤلا منذ أكثر من عام بعد تمديد التخفيضات من قبل المملكة وروسيا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط الخام 30 في المائة منذ منتصف يونيو. في الواقع، كشف أحدث البيانات التي تظهر مراكز مديري الأموال أنهم في أعلى مستويات الصعود بشأن الخام الأمريكي منذ يونيو 2022.
نقلا عن الاقتصادية
شكراً د. نعمت على هذا المقال... سؤال خفيف: من المؤثر والمتأثر... هل التضخم أم سوق النفط ؟؟؟... والسلام.