الكفاح من الفقر إلى الثراء

07/09/2023 0
د.عبد الوهاب بن سعيد القحطاني

- شاهدت برنامج أوبرا وينفري الشهير، فقد استضافت في برنامجها رجلًا أمريكيًّا من أصول أفريقية؛ لأن حياته كانت مثيرة بين السعادة والحزن والأمل والإحباط.

- لقد استضافت في نفس الحلقة الممثل ويل سميث وابنه، وذلك لما لهما من علاقة بالفيلم الذي كانت قصته تدور حول ضيفها السيد كريس قاردنر الذي ظهر في برنامجها مع ابنه كريستوفر، الذي شاركه معاناة التشرد والجوع والفقر، وفيما بعد أصبح من أصحاب الثراء والشهرة في أمريكا بعدما عاد إليهما الأمل ودفعهما الطموح للخروج من الفقر إلى الثراء.

- لقد كان ضيف أوبرا السيد كريس قاردنر الرجل الذي عاش طويلًا بلا مأوى ولا طعام، فقد افترش الأرصفة في شوارع سان فرانسيسكو وغيرها من المدن الأمريكية متنقلين بينها بحثًا عما يقدّمه لهما المارة من نقود وطعام وشراب. عندما شاهدتُ المقابلة مع السيد كريس عادت بي الذاكرة إلى عام 1982م، عندما كنت مع أحد الزملاء في رحلة سياحية إلى سان فرانسيسكو. تذكّرت رجلًا أسود، وبجانبه طفل صغير، حيث مدّ يده لطلب المساعدة لشراء وجبة طعام لهما من مطعم ماكدونالدز الذي يقع على الشارع الذي أمضيا فيه وقتًا طويلًا لطلب المساعدة من الناس، قدّمت له ما استطعت، وكانت ردّة فعله على مساعدتي بصوتٍ خافتٍ مُنهَك «فليحفظك الرب». لقد كانت ملامحه في اللقاء واضحة، ولم تتغيّر تقاطيع وجهه كثيرًا. سألته عن سبب تشرده، والنوم بلا مأوى؛ للتأكد من أن مساعدتي لسبب نبيل؛ حيث كانت الدقائق التي تحدثت معه خلالها كافية لمعرفة أنه ليس من متعاطي المخدرات. أكد لقاء أوبرا أن السيد كريس هو الشخص الذي افترش شوارع سان فرانسيسكو.

- السيد كريس قاردنر معروف ومشهور اليوم في أمريكا وأوروبا كرجل أعمال ناجح في الوساطة المالية. لم أتوقع أن السيد كريس سيصبح من أنجح وأغنى الناس في العالم؛ حيث وفّقه الله بفرصة جعلته ثريًّا، وأصبح بعدها معتمدًا على مهاراته؛ ليدخل استثمارًا أحبّه وأخلص العمل فيه؛ ليدرّ عليه المال الذي جعله من أثرياء العالم. لم يكن السيد كريس أنانيًّا، بل بذل الكثير من ماله في الأعمال الخيرية، فقد ساعد الكثير من الطلاب والطالبات الأمريكيين من أصول عرقية أفريقية للتعلم والعمل. الحقيقة أن الفيلم الذي مثّله ويل سميث وابنه يحكي قصة حياة السيد كريس وابنه كريستوفر بدقة؛ ليؤكد لنا السيد كريس أن الإنسان يستطيع أن يكون ما يأمل أن يكون، ويحقق ذاته عندما تتوافر فيه الدوافع الداخلية والمدفوعة بالأمل، مهما كان فقره والظروف الصعبة المحيطة به.

- تحدَّث السيد كريس قاردنر عن حياته السابقة والحاضرة بفخر من غير شعور بالعيب والانكسار والضعف؛ لأن الأمل والطموح يحفزان الإنسان ليحقق ذاته ويُغيّر حياته إلى الأفضل، من الفقر إلى الغنى ومن الحزن إلى السعادة والفخر بما حققه. كان شعور السيد كريس حقيقيًّا نحو الذين ساعدهم، بالرغم من أنه لا يعرفهم ولا تربطه بهم علاقة أسرية أو صداقة.

- لعلنا من هذه القصة نستفيد الكثير فيما يتعلق بالأمل والطموح وتحقيق الذات والتبرع للأعمال الخيرية والافتخار بماضينا مهما كان صعبًا وعدم اليأس من رحمة الله وتوفيقه، فقد كان السيد كريس يقول في اللقاء التليفزيوني إنه بالرغم من فقره لم ييأس على الإطلاق؛ لأن قوته الروحية الداخلية كانت أقوى من التحديات.

ما شدّ انتباهي في قصة السيد كريس أن جميع العِبَر والدروس المستفادة نجدها في ديننا الإسلامي الذي يحثّنا على عدم اليأس وعدم القنوط من رحمة الله، والسعي في العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي والصبر.

 

 

 

نقلا عن اليوم