اعتماد آلية التوطين المبكر للوظائف

17/08/2023 3
عبد الحميد العمري

قبل إيضاح المقصود بآلية التوطين المبكر للوظائف في القطاع الخاص عند التعيين أو الاستقدام، من المهم التعرف على حجم التوظيف خلال فترة الـ12 شهرا للبيانات ربع السنوية للتوظيف، التي تظهر أن صافي الزيادة في وظائف العمالة السعودية بمعدل سنوي حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري، بلغ 132 ألف عامل مقابل 764.7 ألف عامل وافد، وباستبعاد وظائف الوافدين ذات الأجور التي تبدأ من 3.0 ألف ريال فأدنى، يكون صافي الزيادة السنوية في العمالة الوافدة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري قد بلغ 111.2 ألف عامل وافد، وكان صافي هذه الزيادة السنوية لدى العمالة الوافدة قد بلغ 110.3 ألف عامل وافد بنهاية الربع الأول من العام الجاري، مقابل صافي زيادة للعمالة السعودية للفترة نفسها بلغ 178.2 ألف عامل، يذهب الاقتراح المبدئي لإقرار آلية مبكرة عند إشغال أي وظيفة في القطاع الخاص، تحديدا في الوظائف التي تبدأ أجورها الشهرية من أعلى من 3.0 ألف ريال شهريا، بأن يتم حصر التوظيف في تلك الوظائف وقصرها على العمالة السعودية فقط، ووضع مزيد من الضوابط الصارمة على الاستقدام من الخارج على أي وظائف جديدة أو إحلال وظائف أصبحت شاغرة، ولا يسمح بالاستقدام إلا في حالة الوظائف الأدنى أجورا ومهارات ومتطلبات تعليم، أو حسب أنواع تلك الوظائف التي في الأغلب لا تحظى بأي طلب من الموارد البشرية السعودية.

من أهم ما سينتج عن هذا الاقتراح المبدئي، الذي يقتضي مزيدا من الدراسة والاختبار الدقيق والتفصيلي لمنهجيته قبل إقراره، إن حظي بالقبول من وزارة الموارد البشرية، أنه سيوفر نافذة أوسع للوظائف أمام الموارد البشرية السعودية الباحثة عن عمل، وفي الوقت ذاته سيساعد بدرجة أكبر على خفض معدل البطالة بوتيرة أسرع مما سبق (ارتفع المعدل إلى 8.5 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الجاري)، ويسهم بدرجة أكبر في رفع معدل توطين الوظائف في سوق العمل المحلية (بلغ 22.3 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري)، بالرجوع إلى تطورات الربع الأول من العام الجاري، فقد أظهرت صافي زيادة ربعية في إجمالي العمالة السعودية بلغت نحو 39 ألف عامل، مقابل صافي زيادة ربعية في إجمالي العمالة الوافدة للفترة نفسها بلغت 467.3 ألف عامل وافد، وبحصرها في الوظائف ذات الأجور الشهرية الأعلى من 3.0 ألف ريال فإن صافي الزيادة بلغ 54.3 ألف عامل وافد، وهو الرقم الأعلى من صافي الزيادة الربعية للعمالة السعودية بأكملها. وهنا ينبغي التركيز على أهم الجوانب المتعلقة بإثبات أهمية إقرار آلية التوطين المبكر للوظائف، التي من أهمها في هذا المقام،

(1) على الرغم من زيادة صافي العمالة السعودية خلال الربع الأول من العام الجاري بتلك الأعداد البالغة نحو 39 ألف عامل، إلا أنه على المستوى الكلي سجل معدل البطالة ارتفاعا للفترة نفسها من 8.0 في المائة إلى 8.5 في المائة، ما يقتضي بدوره أهمية البحث في إقرار مزيد من الخيارات الإضافية التي تسهم في زيادة حصص التوظيف / التوطين من جانب، من جانب آخر تسهم بدرجة أكبر في خفض معدل البطالة، أو تثبيته على أقل تقدير في الأجلين القصير والمتوسط.

(2) يشير الارتفاع الكبير للاستقدام على الوظائف الأعلى أجورا من 3.0 ألف ريال شهريا، وأنها حتى تجاوزت كامل زيادة العمالة السعودية للفترة نفسها، أنه يتوافر مرونة لدى أرباب العمل في القطاع الخاص، وصلت بها إلى أنها منحت تلك الوظائف للعمالة الوافدة على الرغم من توافر المورد البشري المحلي، وعلى الرغم من زيادة طلب الموارد البشرية المحلية على فرص العمل في الاقتصاد الوطني، وهذا وحده مبرر أو سبب كاف جدا لأهمية إقرار آلية التوطين المبكر، وأن تتحول بعد دراستها وبحثها بشكل دقيق وتفصيلي إلى منهجية عمل نافذة، وأن تكون واحدة من أهم فلاتر الاستقدام من خارج الحدود للعمالة، التي سيسهم العمل بها في منح الفرص بدرجة أكبر للباحثين والباحثات عن الوظائف من المواطنين قبل أي طرف آخر.

(3) تبرز بدرجة أكبر أهمية الآلية المقترحة أعلاه، في الفترات الزمنية التي قد يشهد خلالها الاقتصاد الكلي وتيرة أبطأ في النمو، وهو الأمر الذي بدأت مؤشراته في التحقق على مستوى الاقتصاد العالمي والمحلي بدءا من الربع الأول من العام الجاري، وكان أحد أبرز الأسباب التي دفعت إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 8.5 في المائة بنهاية الربع الأول من هذا العام، وتحت هذا الواقع المشاهد فعليا والمتوقع استمرار ضغوطه خلال العامين الجاري والمقبل على أقل تقدير، وفقا لما يشهده الاقتصاد العالمي من أوضاع غير مواتية معلومة لدى الجميع، فإنه ما يزيد من أهمية هذه الآلية أن يتم بحثها وإخراجها إلى الوجود بأفضل وأسرع الطرق، التي ستسهم -بمشيئة الله تعالى- في الحد من أي احتمالات لارتفاع معدل البطالة.

تبين مراجعة أرقام وإحصاءات التوظيف للفترة القصيرة الماضية، أنه على الرغم من زيادة الوظائف بمعدلات مرضية لمصلحة العمالة السعودية، إلا أنها جاءت أعلى عددا ونصيبا للعمالة الوافدة في وظائف أوسع نطاقا من النطاق الذي حظيت به العمالة السعودية وهو ما يدعو فعليا إلى ضرورة تبني منهجية عمل تتسم بجرأة وكفاءة أكبر مما سبق، تستهدف خفض المرونة المتاحة في الاستقدام أمام القطاع الخاص، وتحويل الجزء الأكبر من تلك المرونة في اتجاه إقرار مزيد من فرص التوظيف أمام العمالة السعودية، وهو الأمر الذي مهما بلغت تكلفته على أي من الأطراف، إلا أنها بكل تأكيد تعد تكلفة أدنى بأي حال من الأحوال من ارتفاع معدل البطالة محليا، والأهم من كل ذلك أن العوائد الإجمالية لارتفاع التوطين اقتصاديا ومجتمعيا، تظل أهم وأكبر من أي عوائد أخرى في نطاقات ضيقة مهما بلغت.

 

 

نقلا عن الاقتصادية