سعر الصرف والتضخم والاقتصاد النفطي

01/08/2023 0
د.صالح السلطان

مع كل موجة تضخم تظهر كتابات حول موضوع سعر الصرف، وعلاقة ذلك بموجة التضخم. وسعر الصرف المعتاد على سماعه غير مرتبط بالأسعار في الدول المعنية. أما المرتبط بالأسعار فيسمى سعر الصرف الحقيقي، الذي يعني باختصار الأسعار في دولة مقارنة بالأسعار في دولة أخرى، أو مجموعة من الدول. ولاستقرار سعر الصرف الحقيقي لدولة ما دور في استقرار ونمو اقتصادها، نظرا إلى تعلقه بحركة رأس المال مع العالم الخارجي والمزايا النسبية في التجارة الدولية، خاصة على المدى البعيد. كما أن رسم السياسات الاقتصادية الكلية يتطلب النظر بدرجة أكبر إلى سعر الصرف الحقيقي، وزيادة في التوضيح، فإن سعر الصرف المعتاد على سماعه، ككون الدولار يساوي كذا من عملة دولة أخرى يسمى سعر الصرف الاسمي، وهو بطبيعته لا يظهر مدى تناسب أسعار السلع والخدمات بين الدولتين، أما سعر الصرف الذي يظهر فيه قياس أسعار السلع والخدمات في دولة بالنسبة إلى الأسعار في دولة أخرى، أو مجموعة من الدول، فيسمى سعر الصرف الحقيقي. وعلى هذا يتكون سعر الصرف الحقيقي من جزأين: الأول، سعر الصرف الاسمي. والآخر، السعر النسبي بين دولتين "السعر في دولة مقسوما على السعر في الدولة الأخرى".

يمكن قياس السعر النسبي بين دولتين بأكثر من طريقة. من هذه الطرق، أن نقارن بين أسعار سلة تحوي السلع القابلة للتجارة دوليا "ما يقبل الاستيراد أو التصدير" بما لا يقبل "كأكثر الخدمات وقلة من السلع العينية"، مضروبة بسعر الصرف الاسمي. وبهذا كأننا نقارن بين الأسعار في الدول الأخرى بالنسبة إلى السلع والخدمات التي يمكن لنا أن نستوردها "سواء استوردناها فعلا أو لم نستوردها"، بأسعار السلع والخدمات التي لا يمكن لنا أن نستوردها "بمعنى أنه لا يمكن استهلاكها إلا إذا أنتجت بصورتها النهائية محليا، كتناول وجبة طعام في مطعم". هذه الطريقة يرى كثيرون أنها أنسب للاستناد إليها عند رسم أو اقتراح السياسات الاقتصادية الكلية.

مؤثرات في سعر الصرف الحقيقي عند تثبيت سعر الصرف

في حال تثبيت أسعار الصرف كالريال مقابل الدولار، فإن المؤثرات تتركز في الأسعار النسبية. تحكم هذه الأسعار النسبية محددات، كتكافؤ القوة الشرائية وعلاقة بالاسا ـ ساملسون، تكافؤ القوة الشرائية: وفقا لهذه النظرية، يجنح سعر الصرف الحقيقي لعملة بلد ما للارتفاع عندما يقوى الطلب على صادرات تلك الدولة، ويجنح للانخفاض عندما تضعف سوق صادراتها، علاقة بالاسا ـ ساملسون Balassa Samuelson: بدراسة تطبيقية على السلوك السعري المقارن بين الدول، لوحظ أن الأسعار في الدول ذات متوسط الدخل الفردي الأعلى، لوحظ أنها تجنح لأن تكون أعلى "طبعا لا بد أن يعبر عنها بعملة واحدة عند المقارنة بين الدول"، وتبعا من الصعب الوصول إلى معيار مقبول من الجميع أو حتى الأغلبية العظمى للقيمة العادلة أو الأنسب لعملة ما، وتزداد الصعوبة في عملات الدول المثبت سعرها بعملات أخرى، كما هو وضع الريال.

هنا أحب التنبيه إلى مسألة. تثبيت سعر الصرف لا يعني بالضرورة وجود علاقة سببية كبيرة بين سعره والتضخم. على سبيل المثال، قد ترتفع أسعار سلع مستوردة، حتى دون تغير سعر الريال تجاه عملات الدول المصدرة لتلك السلع، أو أن التغير أقل كثيرا من تغير أسعار السلع المستوردة، من جهة أخرى، نسبة كبيرة من التضخم محلية المنشأ. وغالب التضخم محلي المنشأ راجع إلى وجود نشاط اقتصادي قوي. إن محاولة الجمع بين الازدهار واستقرار الأسعار مشكلة في الأداء الاقتصادي، وهي مشكلة كبرى عصية على الحل، إبقاء سعر الصرف على حاله الآن يتجاهل تغير الظروف. وهو تجاهل مرغوب فيه طالما أنه أقل ضررا من أخذ تغير الظروف في الحسبان. لكن من الصعب رفعه عند حدوث موجة تضخم، مأخوذا في الحسبان صعوبة تخفيضه عند تغير الظروف. وبصفة عامة، الرفع ذاته ليس حلا على المدى البعيد.

هل من رأي آخر لمشكلة التغير غير المرغوب فيه في أسعار الصرف الحقيقية؟

عرض أستاذ الاقتصاد فرانكل نظام سعر صرف جديد، سمي ربط سعر الصادرات أو ربط السعر التصديري، الاقتراح موجه للدول المعتمدة اقتصاداتها كثيرا على إنتاج سلعة أولية سواء معدنية أو زراعية. وذلك بتثبيت قيمة العملة المحلية بسعر السلعة. مثلا، يمكن لدولة منتجة للذهب أن تربط عملتها بسعر الذهب، ولدولة معتمدة على إنتاج النفط أن تربط عملتها بسعر النفط، وهكذا. والربط قد يكون ربطا كليا أو جزئيا، عبر سلة تشكل السلعة المعنية أهم مكوناتها. وتطبيقا على الريال، فإنه ينتج من ذلك أن يرتفع وينخفض سعر الريال في الدولار تبعا لحركة سعر النفط في الدولار، لكن هذا الاقتراح السابق لا يخلو من تبعات ومشكلات. ربما أهمها أن الربط يكثر من تذبذب وتغير سعر الصرف. وأضرار التذبذب تتجاوز المنافع لاقتصادات طبيعة بنيتها كبنية اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. هذا وبالله التوفيق.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية