كيف للقطاع الخاص زيادة مساهمته .. نموا وتوظيفا؟

26/07/2023 3
عبد الحميد العمري

خلص المقال السابق "أيضا .. مواءمة سوق العمل مع مخرجات التعليم"، إلى أهمية أن يندفع القطاع الخاص نحو مواءمة هيكلته الإنتاجية بوتيرة أسرع وأكبر، وصولا إلى زيادة كفاءته ومساهمته فعليا في الناتج المحلي الإجمالي، وبالصورة التي تعزز من الدخل غير النفطي بمعدلات تفوق ما تحقق طوال العقود الماضية، وأن يصل إلى مراحل أفضل تمكنه من استيعاب مخرجات التعليم العالي، وفي المجالات العلمية المتخصصة بمستويات أفضل من الوضع الراهن، استنادا إلى أحدث نتائج نشرة سوق العمل المحلية خلال الربع الأول من العام الجاري، التي أوضحت أن أعلى معدلات البطالة، حسب المستوى التعليمي، كان من نصيب حملة شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها بمعدل 10.8 في المائة. وأوضحت أيضا أن معدل البطالة حسب تخصصات الحاصلين على الدبلوم العالي، جاء من نصيب المتخصصين في "العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء" بمعدل 13.6 في المائة. وفي المرتبة الثالثة، حل المتخصصون في "تقنية الاتصالات والمعلومات" بمعدل بطالة تجاوز 10.7 في المائة، وهي النتائج التي تؤكد حقائق سابقة طالما عاناها القطاع الخاص طوال عقود طويلة ماضية، أن أغلب وظائفه تركزت على الوظائف الأدنى مهارة والأدنى تطلبا للمستويات العلمية العالية من جانب، والأدنى أيضا للتخصصات العلمية المنشودة من جانب آخر. وهو ما يؤكده ارتفاع نسب العمالة الوافدة غير الماهرة إلى الإجمالي، التي وصلت وفقا للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للربع الأول من العام الجاري، إلى نحو 86 في المائة "6.6 مليون عامل".

مما تقدم، هذا يحد من الاستخدام الفضفاض لعبارة أثبتت الإحصاءات الرسمية عدم دقتها، وهي العبارة التي طالما استخدمها كثير من أرباب العمل في القطاع الخاص كعذر لزيادة اعتمادهم على العمالة الوافدة على حساب العمالة المواطنة، عنوان تلك العبارة تمثل في "مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات العمل"، وهو ما أظهرت الإحصاءات الرسمية خطأه وعدم دقته، وأن مساحة دقتها لا تتجاوز مساحة ضيقة من بيئة سوق العمل المحلية، بينما المساحة الأكبر من الوظائف التي أوجدها القطاع الخاص تنطبق عليها عبارة أخرى أكثر دقة وتوصيفا، تمثلت في "مواءمة سوق العمل مع مخرجات التعليم"، وأن على القطاع الخاص أدوارا أكبر بكثير مما استطاع تحقيقه حتى تاريخه، سبق أن حددتها مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030 بمسارات واضحة ودقيقة، وصولا إلى رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 60 في المائة بحلول النهاية الزمنية المحددة للاستراتيجية. ولا يقف الأمر عند حدود زيادة المساهمة، بل يتجاوزها إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في رفع عوائد الميزانية العامة من الإيرادات غير النفطية إلى أعلى من 1.0 تريليون ريال بحلول ذلك الموعد النهائي، مضافا إلى ما تقدم من مستهدفات تنموية بالغة الأهمية، أن يسهم القطاع الخاص بزيادة طاقته الاستيعابية لمخرجات التعليم من الموارد البشرية المواطنة إلى تسعة أعشار أعدادهم من الإجمالي، وهم في الغالب كما هو قائم الآن ممن حصل على شهادات الدبلوم والبكالوريوس، والمتوقع زيادة أعدادهم في منظور العقد الزمني المقبل، إضافة إلى أفضلية تخصصاتهم العملية كالعلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء، وفي تقنية الاتصالات والمعلومات، لكونها التخصصات الدافعة لزيادة كفاءة سوق العمل، واللازمة لأي بيئة أعمال تستهدف فعليا تعزيز وتنويع وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلية.

ماذا يواجه القطاع الخاص كتحديات يمكن أن تقف كمعوقات بينه وبين المستهدفات الاستراتيجية المهمة التي نصت عليها رؤية المملكة 2030؟ الأمر الإيجابي في ثنايا البحث عن إجابات لهذا السؤال الكبير، أن جميع الأجهزة الحكومية تعمل باستمرار على كشف تلك التحديات، والعمل بمنهجية متكاملة فيما بينها كأجهزة حكومية تنفيذية، وبالمشاركة مع منشآت القطاع الخاص، إضافة إلى الأدوار العملاقة التي يقوم بها صندوق الاستثمارات العامة، بما يؤدي في مجمل تلك الجهود إلى توفير الحلول وترجمتها على أرض الواقع، إلا أن جزءا لا يستهان به من منشآت القطاع الخاص، ما زال أربابه في مواقع متأخرة عن هذه المنهجية المتكاملة، ولم يتزحزح بعد عن منطقه العتيق والبائد، القائم على استمرار اعتماده على كل من الإنفاق الحكومي والاستقدام المفرط للعمالة الوافدة بدرجة كبيرة، وهو الجزء الذي يحمل في أغلبه عديدا من أسباب ضعف كفاءة القطاع الخاص، وعدم قدرته على فهم المرحلة الراهنة التي يعيشها الاقتصاد الوطني، وتقتضي من القطاع الخاص بذل جهود أكبر لنقله من تلك المواقع المتأخرة إلى مواقع متزامنة مع مراحل التحول الراهنة التي تحققت، وتأهيلها للتوافق مع التحولات المقبلة التي يقبل عليها الاقتصاد الوطني، وإجمالا يمكن توصيف هذه التحديات تحت عنوان التحديات الداخلية في القطاع الخاص.

جزء آخر من منشآت القطاع الخاص، نجح في التزامن مع التحولات المهمة التي بدأها الاقتصاد الوطني تحت مظلة رؤية المملكة 2030، إلا أنه واجه تحديات خارجية في بيئة الأعمال، تسببت تلك التحديات في تأخير تقدمه، وبعضها تسبب في التوقف النهائي لنشاط تلك المنشآت. جزء من تلك التحديات الخارجية ارتبط ببعض أوجه القصور من الأجهزة الحكومية، أو ببعض المبالغة في الرسوم والغرامات والجزاءات الواقعة على تلك المنشآت، وتزداد آثارها العكسية على منشآت القطاع الخاص متى ما كانت صغيرة أو متوسطة. أما الجزء الآخر من التحديات الخارجية التي تواجهها منشآت القطاع الخاص، فهو المقبل في أغلبه من الجزء غير المنتج اقتصاديا، متمثلا في نشاطات اكتناز الأراضي والمضاربات عليها، وتسببها في ارتفاع تكلفة تأسيس وتشغيل قطاعات الأعمال المنتجة على اختلاف أنواعها، بل قد تصل آثار تلك الممارسات من زيادة اكتناز الأراضي والمضاربات عليها، إلى إيقاف وتعثر تلك المشاريع الإنتاجية! هذا إضافة إلى ما بدأ قطاع الأعمال يواجهه من زيادات مبالغ فيها في تكاليف إيجارات المحال ومواقع منشآت القطاع الخاص، تسببت في زيادة التحديات على تلك المنشآت، وبعضها تسبب في توقف نشاطها، الأمر الذي دفع إلى أهمية إقرار تنظيم لسوق الإيجارات "سكني، وتجاري"، وللحديث بقية.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية