الارتفاع المطرد للإيجارات .. وقود التضخم

19/07/2023 9
عبد الحميد العمري

أظهر معدل التضخم استقرارا خلال حزيران (يونيو) الماضي عند 2.7 في المائة، بينما استمر الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن في الارتفاع بمعدل سنوي 10.8 في المائة، ونظرا إلى وزنه النسبي الكبير في معادلة احتساب التغير السنوي للأسعار "التضخم" بما تصل نسبته إلى نحو 21.0 في المائة، فقد بلغت مساهمته في المعدل بمستواه الأحدث خلال الشهر الماضي نحو 2.3 في المائة، أي بما تصل نسبته إلى 82.7 في المائة، وهي النسبة الأعلى من الشهر الأسبق التي بلغت نحو 74 في المائة، كتأثير للإيجار المدفوع للسكن دفع بوصول معدل التضخم إلى مستواه الأخير عند 2.7 في المائة، يتأكد التأثير الكبير الذي أصبح يشكله الارتفاع المطرد للرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن في التضخم، إذا ما تم النظر إليه من خلال المدن التي شهدت ارتفاعات أكبر من غيرها في الإيجارات المدفوعة للسكن. ففي جدة، سجل الإيجار المدفوع للسكن ارتفاعا سنويا وصل إلى 28.0 في المائة كأعلى ارتفاع مقارنة ببقية المدن في المملكة، دفع بدوره إلى ارتفاع معدل التضخم في المدينة للفترة نفسها بمعدل 6.5 في المائة كأعلى معدل للتضخم مقارنة ببقية المدن. وفي الرياض، سجل الإيجار المدفوع للسكن ارتفاعا سنويا بنسبة 15.4 في المائة كثاني أعلى مدينة بعد جدة، وارتفع التضخم للفترة نفسها بمعدل سنوي 3.4 في المائة مسجلا ثاني أعلى تضخم بعد جدة. ثم في المرتبة الثالثة بريدة، بارتفاع الإيجارات 5.9 في المائة، وارتفاع التضخم بمعدل 2.8 في المائة، ثم في المرتبة الرابعة حائل، بارتفاع الإيجارات 5.3 في المائة، وارتفاع التضخم بمعدل سنوي 1.7 في المائة.

وكما سبقت الإشارة إليه سابقا والتأكيد عليه في أكثر من مقال وتقرير، فإن من أهم وأبرز الأسباب التي دفعت بتكلفة الإيجارات السكنية حتى التجارية وغيرها من أنواع الإيجارات الأخرى في مختلف النشاطات الاقتصادية، ينحصر في الارتفاعات التي شهدتها أسعار الأراضي والعقارات طوال الفترة 2019 - 2022، والتأكيد مجددا على أن أثر هذا السبب لم يقف عند الدفع بتكلفة الإيجارات بالارتفاع فحسب، بل إن آثاره غير المباشرة امتدت إلى نطاقات أوسع، بمعنى أن انعكاسات ارتفاع تكلفة الإيجارات على مختلف منشآت القطاع الخاص، وبما تمثله من كيانات منتجة في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني، اضطرت في مواجهة ارتفاع الإيجارات عليها، إلى رفع أسعار خدماتها ومنتجاتها وسلعها أمام المستهلكين، وهذا هو الجانب المحوري الذي طالما تم الحديث عنه كثيرا طوال الأعوام الماضية، نظرا إلى ارتفاع ارتباط القطاع العقاري بأغلب نشاطات الاقتصاد الكلي، وكون عنصر الأرض وما يتم إنشاؤه فوقها، يمثل واحدا من أهم العناصر الداخلة في أي نشاط اقتصادي واجتماعي في أي بلد حول العالم.

وفي هذا المقام لا بد من التذكير، بأن اصطدام عديد من منشآت القطاع الخاص، خاصة المنشآت المتوسطة والصغيرة، تضررت بدرجة شديدة من كثير من القرارات المفاجئة برفع تكلفة إيجارات مواقعها من قبل ملاك العقارات المؤجرين للمقار والمحال العائدة إلى تلك المنشآت، ما ضاعف بدوره من الأعباء والتكاليف المالية على كاهل ملاك تلك المشاريع الناشئة والمبتدئة، الذي أوصلهم في نهاية الأمر إلى طريق مسدود معدوم الخيارات، ودفع بأغلبية ملاك تلك المشاريع المبتدئة إلى إيقاف نشاطهم وإغلاقه نهائيا، ودفع بجزء محدود من بقية الملاك إلى الانتقال إلى موقع آخر، وتحمل تكاليف أقل من تكلفة الزيادة في الإيجارات، لكنه سرعان ما عانى في فترات زمنية تالية انخفاض التدفقات المالية الداخلة وحجم المبيعات، ما اضطره في نهاية المطاف إلى الاعتراف بالخسارة، واتخاذ القرار القسري بوقف نشاطه بعد استنفاد جميع الخيارات الممكنة والمتاحة لكن دون أي جدوى.

النتيجة الأهم والمستخلصة من كل ما تقدم ذكره، تتجدد الحاجة الماسة إلى إقرار تنظيم شامل لسوق الإيجارات، يعمل وفق معايير وضوابط دقيقة تكفل حوكمة هذه السوق العملاقة، ويكفل أيضا حقوق الأطراف الرئيسين فيها "مستثمرين، مستأجرين"، ويكفل أيضا توفير بيئة مستقرة تحافظ على الجاذبية الاستثمارية لسوق الإيجارات، وفي الوقت ذاته تعمل على حماية الأطراف المستأجرة من أي ممارسات خارج الاعتبارات التنافسية والمؤشرات الاقتصادية. كما تقتضي التطورات الراهنة التي يشهدها الاقتصاد الوطني عموما، والسوق العقارية خصوصا، لما لها من تأثيرات في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني بشكل عام، أن يتم العمل المشترك والمتكامل من قبل جميع الأجهزة ذات العلاقة بالسوق، على استقرار مستويات الأسعار عقاريا ضمن مناطق عادلة سعريا، ما سيؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، وأن تعمل السياسات الاقتصادية والمالية على أن يتحول القطاع العقاري محليا من كونه يستمد عافيته من النشاط والأداء الاقتصادي المحلي، عوضا عن أن يستمد عافيته وتصاعد أسعاره من ظواهر سلبية، كالاحتكار والمضاربة على الأراضي وغيرها من التشوهات، التي أصبحت من المستهدفات الساعية إلى القضاء عليها ومحاربتها "نظام الرسوم على الأراضي البيضاء". ذلك أنها وفقا لهذه الصيغة لا تخدم إلا قلة محدودة من ملاك ومتاجرين محدودي العدد، في الوقت ذاته الذي تراها تلحق أذى واسعا وكبيرا، بمختلف نشاطات الاقتصاد الكلي والمجتمع على حد سواء.

 

 

نقلا عن الاقتصادية