يعرف الإخوة القراء عن إعلان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، عن صدور موافقة مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي على نظام المعاملات المدنية. وأشار الأمير محمد إلى أن نظام المعاملات المدنية يمثل نقلة كبرى منتظرة ضمن منظومة التشريعات المتخصصة، وروعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية وأفضل الممارسات القضائية الدولية، في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، ما النظام باختصار؟ يشتمل نظام المعاملات المدنية على أحكام تحدد جميع ما يتعلق بالعقود، مثل: أركان العقد، وحجيته، وآثاره بين المتعاقدين، والأحكام المتعلقة ببطلانه وفسخه، وأحكام الفعل الضار وقواعد التعويض عنه، وتطرقت نصوصه النظامية كذلك إلى جميع صور الملكية وأحكامها. وكل هذا يقلل من الاجتهادات والمشكلات والخلافات بين الناس ومؤسسات المجتمع بمختلف أنواعها وأهدافها.
كما أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن الأسس التي ينطلق منها النظام تتلخص في حماية الملكية، واستقرار العقود وحجيتها، وتحديد مصادر الحقوق والالتزامات وآثارها. وطبعا لهذه الأسس تأثيرات في الاقتصاد وبيئة الأعمال والتعاملات بين الناس. على سبيل المثال، تزداد جاذبية النشاطات الاقتصادية بمختلف أنواعها. ولا شك أن من أسس تحقيق "رؤية 2030" العمل على تطوير وتحديث الأنظمة من تجارية وغير تجارية، تحقيق التنمية والنمو الاقتصادي مرتبط ارتباطا قويا بالبنية القانونية. ومن ثم فإن مدى مستوى جودة قوانين اقتصاد ما مؤثر قوي في مسار ذلك الاقتصاد وفي تقييمه. وليس الارتباط فقط بمدى جودة القوانين، بل أيضا بمدى الالتزام بتطبيقها ومدى سلامة وجودة التطبيق. ولهذا علاقة مباشرة بإصلاح وتطوير القضاء والأجهزة المعنية الأخرى.
ومن باب التوضيح، فإن النظام أو القانون يفهم منه مجموعة القواعد الاجتماعية الملزمة المنظمة لعلاقات الأفراد داخل الجماعة، التي تستتبع مخالفتها توقيع الجزاء. ومن ثم نعرف أن الأحكام الشرعية العملية إذا وضعت على صيغة قواعد ملزمة فهي قانون أيضا بالمعنى السابق للقانون، أما علم الاقتصاد فجوهره ليس وضع قواعد للسلوك، ولو فعل لكان لغوا لأنه تكرار للقانون بمسمى آخر. ويتلخص معنى ومغزى علم الاقتصاد في دراسة كيفية استخدام الموارد المتاحة لإنتاج السلع والخدمات، ويعبر عن هذه الكيفية بتعبير آخر: دراسة الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، ما سبق يقود للحديث عن التحليل الاقتصادي للأنظمة، في النصف الأول من القرن الميلادي الماضي، كان التحليل الاقتصادي "في الدول الصناعية الرئيسة على الأقل"، يتركز على قضايا التكتلات والاحتكارات، وعلى التنظيمات الحكومية للاقتصاد، لكن التحليل الاقتصادي والتفاعل بين الاقتصاديين والقانونيين توسع بعد ذلك.
بصفة عامة، يدخل التحليل الاقتصادي للقانون ثلاثة جوانب مختلفة. الكلام ينطبق أيضا على الأحكام الفقهية المقننة. أي الموضوعة بالصيغة المعتادة في القوانين، الجانب الأول، استخدام علم الاقتصاد لدراسة الآثار المتوقع حدوثها في المستقبل نتيجة تطبيق قوانين "أنظمة" بعينها، الجانب الثاني، يختص باستعمال علم الاقتصاد لمعرفة أي القوانين أكثر كفاءة من وجهة اقتصادية، التي تعني بعبارة تقريبية ومفهومة من غير الاقتصاديين الحصول أو محاولة الحصول للأفراد والناس والمجتمع على أقصى منفعة مادية أو أقل خسارة مادية ممكنة صافية من الموارد المتاحة، الكلام السابق ممكن تطبيقه على آراء فقهية. أما الجانب الأخير، فهو استعمال علم الاقتصاد لتوقع كيف ستكون الأحكام القانونية "بما في ذلك الأحكام الفقهية المقننة" في المستقبل.
لوحظ في الجانب الأول، أن التحليل الاقتصادي يبين نتائج أو آثارا للقوانين ما كان في حسبان واضعي القوانين حدوثها، ومن أمثلة ذلك بيان الآثار غير المرغوب فيها التي قد يجهل واضعو القوانين إمكان حدوثها عند منح بعض الجزاءات أو الإعانات أو الإعفاءات، أو عند عمل رقابة سعرية على بعض السلع أو الخدمات، أو عند فرض قيود على بعض الأنشطة الاقتصادية أو ضوابط على كيفية ممارسة الأعمال أو على توظيف وفصل اليد العاملة في الشركات وحقوقها. ولذلك فإنه عند تقييم القوانين "الأنظمة" أو سنها فإنه ينبغي عدم النظر فقط إلى جانب تحقيقها للعدل، لكن أيضا إلى مدى آثارها في الأهداف الأخرى كتحقيق النمو الاقتصادي، وتقليل العطالة، وكونها تؤثر في سلوكيات الناس الاقتصادية بطريقة مقبولة. هذه أمور أخذت بعين الاعتبار في نظام المعاملات المدنية.
بالنسبة للجانب الثاني، وهو الكفاءة الاقتصادية، السابق شرح معناها، فهو مبني على فكرة أن الأنظمة تهدف إلى تحقيق الكفاءة الاقتصادية. المشكلة في هذا الجانب هو أن واضعي القوانين قد لا يقصدون بالضرورة إعطاء الكفاءة الاقتصادية أولوية. مشكلة أخرى هي أن هناك خلافات بين أفراد المجتمع في تقدير أهمية المنفعة المحققة. لكن على الرغم من هذه المشكلات، فإن الكفاءة الاقتصادية على الأقل تساعد على حسن الاختيار عند وضع القوانين، الجانب الأخير، وهو توقع ما سيكون عليه القانون. التحليل الاقتصادي سواء للقانون أو غيره، يمكن النظر إليه على أنه محاولة لتعلم ما ينبغي أن يكون، أو محاولة لشرح ما هو كائن، وما يتوقع أن يكون.
في الوقت الحاضر هناك اهتمام متزايد من جامعات عدة على المستوى العالمي لتدريس مقرر تطبيقي يعنى بالتحليل الاقتصادي للقانون، في الأغلب تحت مسمى "قانون وعلم اقتصاد law and economics". ويدرس هذا المقرر في العادة في أقسام ومدارس القانون، بعد دراسة مقرر عن مبادئ الاقتصاد، وأحيانا يحوي مقرر القانون والاقتصاد في بدايته قسما كاملا عن مبادئ الاقتصاد. مقرر القانون والاقتصاد يناسب الشرعيين والقانونيين الذين لا يهوون الموضوعات الكمية. ذلك لأن علم الاقتصاد، خاصة في مرحلة الدراسات العليا، يعتمد على الإحصاء والرياضيات بقوة. لكن فهم مبادئ الاقتصاد لا تتطلب هذا العمق الكمي. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية