قراءة لأداء الميزانية العامة في الربع الأول

15/05/2023 0
د.صالح السلطان

صدر حديثا من وزارة المالية تقرير أداء الميزانية العامة للدولة للربع الأول من هذا العام 1444 / 1445 الموافق 2023. وفي الأغلب تجري المقارنة بين بيانات هذا الربع وبيانات الربع الأول من العام الماضي. وتلك خطوة جيدة طبعا، لكن المدة الزمنية قصيرة بما يجعلها غير كافية للمقارنة والحكم على تطورات الميزانية، خاصة مع حصول أحداث وتغيرات بين وقت ووقت، ما يتطلب وقتا أطول لمعرفة وفهم أعمق للتغيرات والتطورات. وهذا موضع تركيز هذا المقال، ميزانية هذا العام ستكون ثامن ميزانية تعد وفق الرؤية وبرنامج التحول وبرنامج تحقيق التوازن المالي، ودليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM 2001 والمحدث في 2014. وهو نظام استفاد من خبرات دول متطورة. وتسعى الرؤية وما بني عليها إلى تعزيز كفاءة الإنفاق والتوطين في التوظيف، وفي المحتوى المحلي تحقيق تنمية بشرية واقتصادية قوية راسخة مستمرة. ويبنى على هذا الهدف الاهتمام القوي بتنمية التعليم والموارد البشرية والصناعة، والبنى التحتية، والطاقة المتجددة، والإنفاق الرأسمالي، وتنويع مصادر الإيرادات، ودعم الصناديق التنموية، ودعم القطاع الخاص، خاصة أنشطته ذات المردود الأعلى على الاقتصاد والأفراد.

الإيرادات غير النفطية

معروف أن الإيرادات غير النفطية تطورت وزادت خلال الأعوام الماضية منذ 2016. وهي قضية موضع تركيز في الرؤية. هذه الإيرادات زادت في الربع الأول من العام الجاري، 9 في المائة، لتبلغ 102.3 مليار ريال مقابل 94.3 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي. لكن متوسط نسبة الارتفاع السنوية بين الأعوام 2016 و2023 كان نحو 15 في المائة، حيث زادت من 186 مليار ريال 2016، إلى 411 مليارا 2022، زيادة الإيرادات غير النفطية زيادة مستهدفة، فهي جزء من هدف تنويع مصادر الدخل للاقتصاد، وتقليل الاعتماد على دخل النفط. ومع ذلك ما زالت تشكل نحو ثلث مجموع الإيرادات النفطية وغير النفطية. وزيادة هذه النسبة هدف مع مرور الأعوام، عبر طرق عدة، أهمها التوسع في الاستثمار الحكومي.

أما الإيرادات النفطية، فقد انخفضت في الربع الأول بنسبة بسيطة، من 184 مليار ريال في الربع الأول من العام الماضي، إلى 179 مليار ريال في الريع الأول من هذا العام، ورغم الانخفاض البسيط السابق في الإيرادات النفطية، لكنها زادت مع مرور الأعوام. فقد زادت من 334 مليار ريال 2016 إلى 857 مليارا 2022، أي أكثر من الضعف. وكانت الزيادة بين عامي 2021 و2022 قوية، حيث زادت بنحو 50 في المائة. وارتفاع سعر النفط نتيجة حرب روسيا وأوكرانيا سبب جوهري في هذه الزيادة، بلغ مجموع الإيرادات نحو 1270 مليار ريال في العام الماضي. ومتوقع أن يكون هذا المجموع أقل هذا العام بنحو 140 مليار ريال. وأهم سبب انخفاض الإيرادات النفطية مع انخفاض أسعار النفط نحو 15 إلى 20 في المائة هذا العام مقارنة بالعام الماضي.

ماذا بشأن بنود المصروفات؟

تتوزع على بنود عدة. تشكل تعويضات العاملين من رواتب ونحوها، أقل قليلا من نصف نفقات الميزانية. يليها في الأهمية الإنفاق على السلع والخدمات، حيث تشكل نحو 20 في المائة. أما النفقات الرأسمالية، فتشكل نحو 10 في المائة. وكان هذان البندان: الإنفاق على السلع والخدمات، والنفقات الرأسمالية، هما أكثر بندين يشهدان ارتفاعا. فقد زاد كل واحد منهما نحو 70 في المائة بين الربعين الأول من العام الماضي والربع الأول من هذا العام، تلاحظ زيادة الإنفاق الحكومي نحو 30 في المائة في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالربع الأول من العام الماضي. وحصلت هذه الزيادة رغم تراجع أسعار النفط. وهي أسعار رفعتها كثيرا بداية الحرب الروسية الأوكرانية في العام الماضي.

ماذا بشأن الدين العام؟

شهد انخفاضا من نحو ألف مليار ريال نهاية الربع الأول من العام الماضي، إلى نحو 960 مليارا نهاية الربع الأول من هذا العام. والسبب الجوهري وجود فائض في ميزانية العام الماضي نحو 104 مليارات ريال. أما في الربع الأول من هذا العام، فقد شهد انخفاضا بسيطا في أسعار النفط مقارنة بالربع الأول من العام الماضي. وتبعا، شهد الربع الأول من هذا العام عجزا بسيطا نحو ثلاثة مليارات ريال، أي بنسبة تقارب 1 في المائة من الإيرادات، وتهدف وزارة المالية من خلال المركز الوطني لإدارة الدين، إلى تنويع مصادر التمويل بين المحلية والخارجية، من خلال استراتيجية الدين متوسطة المدى التي راعت مستهدفات "رؤية 2030" من خلال تعميق سوق الدين المحلية، وبحسب بيان الميزانية، فإن السعودية تستهدف تراجع حجم الدين العام خلال العام الجاري، وذلك استكمالا لجهود الحكومة في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق مستهدفات الانضباط المالي، وأختم بحديث مختصر عن منهجية إعداد الميزانية سواء للعام أو لكل ربع فيها.

الميزانيات منذ 2016 تعد وفق منهجية جديدة. وتتضمن معالجة محاسبية جديدة بتسجيل جميع الإيرادات المباشرة التي كانت تحصلها جهات حكومية معينة. كما تم تضمين مبالغ النفقات المقابلة لها. ومن الأمثلة وزارة الإسكان في موضوع رسوم الأراضي. ومن الأمثلة أيضا الجامعات وأمانات المناطق. والهدف زيادة قوة الإفصاح المالي. وأشير إلى أنه تم إنشاء مركز تحقيق كفاءة الإنفاق قبل أعوام قليلة. ومن أعماله تحليل ميزانيات الجهات الحكومية ونفقاتها، هذه الميزانية العامة، وفقا لإحصاءات مالية حكومية، وهو نظام إحصائي تنظيمي تصنيفي متطور من إعداد صندوق النقد الدولي قبل نحو 20 عاما مستعينا بخبرات دول متطورة في إعداد ميزانياتها العامة.

 

 

نقلا عن الاقتصادية