احتل جانب ارتفاع معدلات الفائدة مقدمة التحديات الاقتصادية طوال عام مضى، ولا يزال يتصدر عناوين السياسات والاجتماعات الراهنة، بل إنه سيكون الموضوع الأول على طاولة اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين الجارية الآن، ورغم أن مبرراته التي دفعت البنوك المركزية حول العالم نحو رفعها منذ نيسان (أبريل) من العام الماضي، مستهدفة كبح التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته خلال أكثر من 42 عاما مضت، التي لا تقارن آثاره العكسية على الاقتصادات والنمو والأسواق بأي آثار عكسية أخرى من جراء ارتفاع الفائدة، وما قد تمتد إليه من إدخال الاقتصاد العالمي في ركود محتمل قبل نهاية العام الجاري، وما سيحمله معه من ارتفاع لمعدلات البطالة وفقدان الملايين وظائفهم، إضافة إلى التقلبات الحادة المحتملة في أغلب الأسواق المالية والطاقة وأسعار الصرف، أدت تلك الصورة المختلطة من التحديات والمخاطر إلى وقوف البنوك المركزية والهيئات الدولية أمام مفترقات طرق بالغة التعقيد.
محليا، قفزت معدلات الفائدة إلى أعلى مستوياتها تاريخيا منذ مطلع 2001، ويتوقع أن تستمر في الارتفاع من بعد الاجتماع المقبل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في بداية أيار (مايو) المقبل، قياسا على تصاعد احتمالات ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد الأمريكي، الذي يقابله تراجع التضخم في الاقتصاد المحلي، ما سيحمل معه مزيدا من التحديات والضغوط على أغلب أسواق ونشاطات الاقتصاد المحلي، التي يأتي القطاع الخاص في مقدمتها من حيث الأهمية، ومن حيث ضرورة توافر البدائل التي تساعد القطاع على الصمود والاستقرار في وجه أي تحديات محتملة في طريقه، ويتوافر جزء مهم من تلك البدائل ممثلا في الأدوار الرئيسة التي يضطلع بها صندوق الاستثمارات العامة، التي يؤمل أن تسهم -بمشيئة الله تعالى- في تعزيز فرص نمو القطاع الخاص عبر الشراكات الاستثمارية العملاقة بين الطرفين، إضافة إلى استمرار تدفقات الإنفاق الحكومي الرأسمالي المعززة للهدف ذاته.
كما يمكن إضافة التصحيح المستهدف لأسعار الأراضي والعقارات إلى البدائل المحفزة للقطاع الخاص، كون تلك الأسعار قد وصلت إلى مستويات متضخمة بالغة الارتفاع، ومن شأن تكامل الجهود والإجراءات التي بدأت أخيرا مستهدفة إعادتها إلى التوازن والاستقرار ضمن مستويات سعرية عادلة، أن تخفف بدرجة كبيرة جدا من الضغوط الواقعة على كاهل القطاع الخاص والاقتصاد والمجتمع على حد سواء. وبالحديث عن السؤال المحوري، لماذا يراد للقطاع الخاص أن يحافظ على متانته واستقراره، وعلى فرص استمرار نموه بمعدلات لا تقل عن 5.0 في المائة على أقل تقدير خلال الأعوام القليلة المقبلة؟ فالإجابة باختصار شديد، تنطلق من كونه القطاع المستهدف استراتيجيا أن يكون صاحب المساهمة الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي، وقائد النمو المستدام للاقتصاد الوطني، والموظف الأكبر لأغلبية الموارد البشرية المواطنة، كما أسست له رؤية المملكة 2030 وارتأت فيه واحدا من أهم الركائز التي سيتم الاعتماد عليها خلال العقود المستقبلية المقبلة على المستويات التنموية كافة.
كما أنه ستكون هناك تحديات وتحولات واسعة محليا وعالميا في وجه القطاع الخاص، لكن ستوجد أيضا بدائل وخيارات واسعة جدا أمامه من شأنها أن تعزز من قدرة القطاع واستقراره في مواجهة تلك التحديات والتحولات الراهنة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، حتى تلك التي قد تنشأ محليا سواء بسبب ارتفاع معدل الفائدة، أو لأي أسباب أخرى محتملة. هنا يجدر التذكير بالقدرة الفائقة التي أثبتتها تلك الخيارات المتاحة للاقتصاد الوطني في مواجهة أي تحديات محتملة، ما سبق أن واجهه الاقتصاد عموما والقطاع الخاص خصوصا تزامنا مع الجائحة العالمية لكوفيد - 19، التي نجحت نجاحا باهرا في توفير الممكنات والدعائم اللازمة للاستقرارين الاقتصادي والمالي، متجاوزة بالجميع المراحل الحرجة التي عصفت بالاقتصاد العالمي بأكمله، وذهبت به إلى تحقيق معدلات نمو قياسية خلال العامين التاليين لعام الجائحة، ومكنت القطاع الخاص من النمو والتوسع، ودفعت به إلى تحقيق أعلى معدلات نمو التوظيف والتوطين خلال أقل من عامين، وتضافرت الجهود مجتمعة في تحقيق نجاح غير مسبوق بخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته التاريخية بنهاية العام الماضي.
كما تجدر الإشارة في الختام، إلى الثمار التي اقتطفها الاقتصاد الوطني من الإصلاحات الواسعة والجذرية التي تحققت تحت مظلة رؤية المملكة 2030 منذ منتصف 2016 حتى تاريخه، والتي أسهمت بدرجة كبيرة جدا في وصول الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص إلى مستواه الراهن من القدرة والثبات، ومنحته قدرة أكبر على الوقوف بصمود أكبر في مواجهة مختلف التحديات الاقتصادية خارجيا ومحليا. كل هذا يؤكد توافر كثير من الفرص والخيارات الممكنة وغير المكلفة -بحمد الله- للاقتصاد الوطني عموما، وللقطاع الخاص خصوصا، للتكيف والتعامل مع أي تحديات محتملة برصيد مرتفع من الثقة والتفاؤل المستند إلى مؤشرات وممكنات حقيقية بالغة الصلابة، يمكن معها استكمال الطريق الراهن من الإصلاحات وزيادة مساهمة القطاع في الاقتصاد الوطني، ودفعه إلى مواقعه المستهدفة وفق المبادرات والبرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، والتأكيد أيضا على إمكانية توظيف التغيرات قصيرة الأجل المحتملة في عديد من الأسواق والنشاطات المحلية، في مصلحة الدفع أكثر بالقطاع الخاص نحو آفاق أوسع وأفضل على جميع المستويات.
نقلا عن الاقتصادية