تداول الأزواج .. كيف؟

02/04/2023 1
د. فهد الحويماني

موضوع المقال ليس له علاقة بالزواج ولا الأزواج ولا الزوجات، بل نتحدث عن أسلوب للتداول يستخدم من قبل المضاربين في الأسواق المالية، معني بتداول وسيلتين ماليتين في آن واحد، والاستفادة من التباين السعري بين الوسيلتين لتحقيق الربح بغض النظر عن توجه السوق في الفترة المقبلة. لا نتكلم عن تداول أزواج العملات المعروف في سوق الفوريكس، بل إن هذه الطريقة تستخدم في تداول الأسهم ومؤشراتها وفي العقود المستقبلية أو فيما بين هذه الوسائل.

جاذبية أسلوب تداول الأزواج هو أن هناك من يبحث عن طريقة للتداول غير مرتبطة بحركة السوق، سواء أكانت السوق صاعدة أم هابطة أم مستقرة، وبالتالي لا تكون هناك حاجة إلى انتقاء أسهم مرشحة للصعود لشرائها، أو أسهم مرشحة للهبوط لبيعها على المكشوف.

ليس الهدف من تداول الأزواج تحقيق ربح خال من المخاطرة، فهذا أسلوب آخر معروف يعتمد على تكتيكات المراجحة "آربيتراج"، ويمكن من خلاله تحقيق ربح مضمون 100 في المائة، إلا أنه مع الأسف نادر الحدوث ويتطلب سرعة في التنفيذ والاعتماد على برمجيات وخوارزميات لاكتشاف تلك الثغرات السعرية والتصرف بشأنها قبل بقية المتداولين. وفي كل الأحوال المراجحة الخالية تماما من المخاطرة ربحها ضئيل، لكنه مضمون.

تداول الأزواج يهدف إلى تجنب مخاطرة حركة الأسهم من جهة، ويعتمد على وجود علاقة قوية بين حركتي الوسيلتين اللتين تم اختيارهما، والمقصود أن هناك تشابها كبيرا في تحرك سعري الوسيلتين، أي أن معامل الترابط بين الوسيلتين يكون قريبا من 1.00، ويعني تطابق الأداء بين الوسيلتين. وبما أن هناك علاقة قوية بين الوسيلتين فإن فارق السعر بين الوسيلتين سيكون دائما يحوم حول نطاق معين، ويمكن قياس ذلك بقسمة سعر السهم الأول على الثاني، أو طرح سعر الأول من الثاني.

ما الوسائل المناسبة لإجراء عمليات تداول الأزواج؟

الخطوة الأولى هي اختيار الوسيلتين، منها على سبيل المثال في السوق السعودية مصرف الراجحي والبنك الأهلي، فمن المفترض أن سعري هذين البنكين يتحرك باتجاه واحد لأنهما يتأثران بالعوامل ذاتها من تحركات أسعار الفائدة وغيرها من تطورات اقتصادية. كذلك هناك علاقة قوية بين حركة سهم جنرال موتورز وسهم شركة فورد، أو عقود خام برنت وعقود غرب تكساس، أو مؤشر داو جونز ومؤشر ناسداك، أو عقود داو جونز المستقبلية والأسهم المكونة للمؤشر، وهكذا.

فمثلا لو كانت العلاقة بين سهمين قوية ومناسبة، مثلا معامل الارتباط أعلى من 0.90، وكان فارق السعر بينهما في المتوسط 15 ريالا، ومن ثم لاحظنا أن الفارق ارتفع إلى 20 ريالا، فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن من المفترض أن تعود العلاقة إلى طبيعتها التاريخية عند 15 ريالا، فيمكننا شراء السهم الذي سعره يبدو منخفضا، والبيع على المكشوف للسهم الآخر صاحب السعر المرتفع، وعندما يتقلص الفارق لاحقا نربح من السهم الذي تم شراؤه بقدر أكبر من الخسارة التي قد تتحقق في السهم المبيع على المكشوف.

هذا الأسلوب ليس خاليا من المخاطرة، لكن المخاطرة فيه غير مرتبطة بحركة سوق الأسهم، بل مرتبطة بصحة وجود نزعة العودة إلى المتوسط mean reversion، التي في الأغلب هي موجودة إذا كانت العلاقة قوية بين الوسيلتين. مثلا نحن نعلم أن حركة سهم واحد لا تخضع لنزعة العودة إلى المتوسط، ولو حدث ذلك فهو يعني أن سعر السهم يعود دائما إلى مستوى معين، وهذا غير صحيح لأن حركة السهم ليست stationary، فلا يوجد لها سعر متوسط.

لذا فالفكرة الأساسية من تداول الأزواج أن فارق السعر بين الوسيلتين خاضع لنزعة العودة إلى المتوسط، أي: من الممكن أن يزيد أو ينقص الفارق بين السعرين عن 15 ريالا، في مثالنا أعلاه، لكن في نهاية المطاف وبنسبة احتمال عالية سيعود الفارق إلى هذا الحد. ولو حدث هناك اختلال في العلاقة، حيث لا تزال الوسيلتان مترابطتين لكن حدث هناك تغير في مقدار التباين بينهما، فهذا يسمى drift وبالطبع سيشكل مخاطرة على المتداول.

كثافة تداول الأزواج وشعبيته هي أحد الأسباب التي تجعل الأسهم الأمريكية تتحرك كأنها كتلة واحدة خلال جزء قليل من الثانية! والسبب أن هناك جيوشا من متداولي المراجحة ومتداولي الأزواج ممن يتصرفون على الفور، باستخدام برمجيات متقدمة وسريعة، لاستغلال أي تباين في الأسعار، وبالتالي يتم تصحيح الفروق في الأسعار بشكل آني.

تداول الأزواج يستخدم على مدى أيام وأسابيع وأشهر، وكذلك يستخدم في التداول اللحظي أثناء التداول اليومي. هناك برامج يقدمها وسطاء الأسواق تتيح للمتداول في أي وقت من الأوقات اكتشاف أفضل فرص تداول الأزواج، تلك التي لديها فرصة تحقيق ربح معين يحدده المتداول. كذلك هناك مضاربون يختصون بتداول الوسيلتين ذاتهما في جميع الأوقات، حيث يستطيعون مراقبة تحرك الأسعار واتخاذ القرارات الفورية.

على العكس مما يبدو ظاهريا فهذه الوسيلة تعد أقل مخاطرة من الشراء العادي أو البيع على المكشوف للأسهم، والسبب في ذلك أن الطرق التقليدية في حقيقة الأمر عالية المخاطرة، كون المتداول يراهن على اتجاه واحد فقط، وليس أمامه طريقة لتقليص المخاطرة عدا تنويع الأسهم، غير أن ذلك مع الأسف لا يقي من مخاطرة السوق ككل. فيمكن للمتداول تنويع محفظته الاستثمارية بأفضل طريقة ممكنة، فيتخلص من المخاطر الفردية، لكن تبقى هناك مخاطرة انتكاس السوق ككل.

 

 

نقلا عن الاقتصادية