فات زمن الميكروفونات

06/03/2023 0
فهد عامر الأحمدي

 

بعـد انتهاء الحرب العالمية الثانية زار وفد من طلاب المدارس الروسية السفارة الأمريكية في موسكو. قدموا إلى السفير الأمريكي لوحة دائرية تتضمن الشعار الأمريكي "نسرا يحمل جعبة أسهم" كعربون صداقة من الشعب الروسي. السفير الأمريكي قـبل الهدية وعلقها بفخر فوق مكتبه دون أن يعرف أنها تتضمن أداة تنصت تنقل أحاديثه واجتماعاته لمقر المخابرات الروسية. لم تكتشف السفارة حقيقة النسر الخشبي إلا في 1960 حين وقع بالمصادفة فسقطت واجهته الأمامية وظهرت أجهزة التنصت. والأمريكان من جهتهم لم يكونوا نزيهين في تعاملهم مع سفارات العالم. فالروس اكتشفوا 13 جهازا للتجسس زرعت في 1986 وحده في سفارتهم في واشنطن. وبحلول التسعينيات لم يعـد الأمريكان بحاجة إلى زرع الميكروفونات لكونهم أصبحوا يتنصتون على محادثات السفير الروسي عن بعـد ـ بل يرون داخـل السفارة بوساطة الأشعة السينية والحمراء. وحروب التجسس لا تقتصر على روسيا وأمريكا، ويعتقد أن معظم الدول تفعل ذلك بطريقة أو بأخرى. في أكثر من مناسبة اتضح أن دولا مثل فرنسا، بريطانيا، إسرائيل وإيران تقوم بالتجسس على السفارات الموجودة على أرضها ـ وغني عن القول إن تقنيات التجسس تطورت وتغيرت ولم تعد بحاجة إلى زرع الأسلاك والميكروفونات داخل الجدران.

وأصبحت الأحاديث البشرية والمحادثات الهاتفية والرسائل الإلكترونية ترصد عن بعد ـ في حين يمكن للأقمار الاصطناعية رؤية كل شيء من الأعلى. أصبحت وكالة الأمن القومي الأمريكية تملك برامج ذكية تتبع الكلمات الحساسة والخطيرة بجميع لغات العالم. أصبحت قادرة على اختراق حواسيب السفارات الأجنبية، وتسلم نسخ من المحادثات الدبلوماسية "من شركات الاتصالات" دون الحاجة إلى اقـتحام المقار الأجنبية وإحراج "الرئيس" مع الدول الصديقة. غير أن الوكالة نفسها أصبحت في موقف حرج في 2003 حين سرب العميل المنشق إدوارد سنودن معلومات بالغة السرية إلى صحيفتي "الجارديان" و"الواشنطن بوست".

وكشـفت هـذه التسريبات عن طرق عمل الوكالة وقدرتها على اعتراض مليار اتصال في اليوم، وتتبع ملايين الناس داخل أمريكا وخارجها باستخدام هواتفهم النقالة وحساباتهم الشخصية. كما كشفت عن عدم اكتفاء الوكالة بالتجسس على مواطنيـها، بل التجسس على أعضاء السفارات الأجنبية في واشنطن ورؤساء الحكومات في دولهم البعـيدة. نعـم أيها السادة، فـات زمن الميكروفونات، ومجرد حديثنا عن "هذه الوكالة" يجعـل هذا المقال عرضـة لتوقف برامج البحث الذكية عنده.

 

 

نقلا عن الاقتصادية