عقدت في السعودية يومي 11 و12 يناير (كانون الثاني) 2023، النسخة الثانية من مؤتمر التعدين الدولي، لبحث موضوعات تفصيلية ملحة تحتاج إلى نقاش مستفيض، والوصول إلى أسس تعاون فيما بين الدول والمنظمات المشاركة، لضمان بناء قطاع معادن عالمي مسؤول، يؤدي إلى خلق حالة من الاطمئنان على مستقبل المعادن الاستراتيجية التي سيزداد الطلب عليها عالمياً، والتركيز على المنطقة التعدينية الناشئة الممتدة من أفريقيا إلى غرب ووسط آسيا، والتي تتوفر لديها إمكانات وقدرات تعدينية واعدة، تمكنها من سد الفجوة المتوقعة على الطلب في المستقبل، كما ناقش مستقبل المعادن والاستثمار في التعدين والتعاون في هذا المجال.
إن النسخة الأولى من المؤتمر؛ التي عقدت في يناير 2022، كانت تهدف إلى التعريف بالإمكانات التعدينية للسعودية ودول المنطقة الناشئة، والتي يمكنها أن تلعب دوراً مُهماً في تلبية احتياجات المستقبل من المعادن، بينما ناقشت النسخة الثانية مجموعة من الموضوعات الملحة؛ من بينها تنمية المنطقة وزيادة إسهامها في سلاسل القيمة والإمداد للمعادن الحرجة، وتعزيز التعدين المسؤول والمستدام، والاستفادة القصوى من الثروات المعدنية في منطقة التعدين الناشئة التي تمتد من أفريقيا حتى غرب ووسط آسيا، وتطوير هذه المنطقة لتصبح مركزاً متكاملاً لإنتاج المعادن الخضراء، بالإضافة إلى مناقشة تنمية التعاون الدولي لإنشاء مراكز تميز في المنطقة، لزيادة إسهامها في إمداد معادن المستقبل.
إن مصادر النمو تعود إلى 5 متغيرات، هي: التوسع في الطلب الاستهلاكي، والطلب الاستثماري، والتوسع في الصادرات، وزيادة إحلال الواردات، ومن ثم التقدم التكنولوجي من خلال الابتكار والإبداع والبحث العلمي، إذ إن هذه المتغيرات تلعب دوراً مهماً في مستقبل المعادن، إذ تعد الصناعة والصناعات الاستخراجية مصدراً أساسياً للنمو. وإذا كان نصيبها في الناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن 25 في المائة؛ فإن البيانات تبين أن مساهمة الصناعة التحويلية في الإنتاج المحلي الإجمالي بلغت نحو 13 في المائة في السعودية، عام 2021، استناداً إلى بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021، ومقارنةً بالدول حديثة العهد بالتصنيع، مثل البرازيل وتايوان وماليزيا، نجد أنها منخفضة بالمقارنة مع هذه الدول؛ حيث بلغت في ماليزيا نحو 23.9 في المائة، استناداً إلى بيانات الصندوق النقد الدولي 2022.
من ناحية أخرى؛ بلغت مساهمة الصناعات الاستخراجية في السعودية 25.6 في المائة في توليد الناتج المحلي الإجمالي، والعراق 44.3 في المائة، والكويت 40.7 في المائة، والإمارات 23.2 في المائة، وهذه الأرقام تشير إلى الإمكانات الكبيرة من الثروة المعدنية في الدول العربية، والتي تمثل مستقبل التعدين، مما يستوجب استثمار هذه المعادن بشكل يحقق منفعة وجدوى اقتصادية، ويعزز من مكانة الدول العربية في قطاعَي الصناعات التحويلية والاستخراجية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
ويعتبر موضوع الابتكار والتعاون في قطاع التعدين والمعادن، من بين أكثر الموضوعات إلحاحاً في هذا المجال؛ حيث يتطلب التحول القائم على الابتكار تعاون صانعي السياسات وشركات التعدين في جميع أجزاء سلسلة القيمة؛ إذ تكون المعرفة الأكبر بالموارد المعدنية الوطنية، وعمليات المسح الجيولوجي، ضرورية لتحديث المعلومات.
إن الطموحات في قطاع التعدين ليست محلية فقط؛ بل هي منطلقات وطموحات تسعى إلى المساهمة في التنمية الإقليمية والعالمية؛ حيث تدرك الدول العربية الدور الذي يمكن أن تنهض به للمساهمة في تلبية حاجات العالم من المعادن في المستقبل، وتعي الدور القيادي في المنطقة والعالم في المجال التعديني.
ناقش المؤتمر موضوعات مهمة في قطاع التعدين، والتي تشمل محور بحث التطورات الاقتصادية والبيئية العالمية التي تؤثر على صناعة المعادن في المنطقة، ومحور الممارسات البيئية والاجتماعية من حيث المنافسة وتكافؤ الفرص عبر سلسلة القيمة، لتحقيق الازدهار الاقتصادي. كما شدد المنتدى على أهمية تبني خريطة طريق لدعم مناخ التعدين الذكي، وسبل الجدوى التجارية لتطبيقات الهيدروجين، مع تخفيض تكاليف الهيدروجين الأخضر، والتوسع في المجال، وسبل استخدام الهيدروجين في إزالة الكربون في قطاع التعدين، إذ إن السعودية تعتبر مركزاً تعدينياً إقليمياً عالمياً، في تطوير المنطقة كمركز عالمي لتحفيز وتعظيم القيمة المضافة لقطاع المعادن الخضراء، وتعزيز الابتكار لخلق معادن خالية من الكربون والملوثات البيئية.
من جانب آخر، ركز المؤتمر على قوة الهيدروجين والمعادن الخضراء، وأهمية استخدام الطاقة النظيفة في الصناعة، وعلى ضرورة تضافر الجهود للاكتشاف والاستكشاف، وتخطيط رأس المال البشري، بجانب الاعتناء بالبحوث وعملية التطوير، وتعزيز التكامل عبر الصناعات للوصول إلى الانبعاثات الصفرية بحلول 2060، وتفعيل دور القطاع الخاص في هذا الحراك؛ كونه العامل الأساسي في عملية التعدين.
وفي الختام، وضعت السعودية باعتبارها أكبر منتج للنفط والمعادن، تصورات وبرامج لتطوير قطاع التعدين، باعتباره الركيزة الثالثة في إطار «رؤية السعودية 2030»، وتحديث نظام الاستثمار التعديني الذي يشكل البنية التحتية للصناعات الاستخراجية وغيرها من الصناعات المستقبلية ذات الصلة.
نقلا عن الشرق الاوسط