حوكمة مكافحة احتيال الدفع الإلكتروني

26/02/2023 0
د. محمد آل عباس

القصة أننا أصبحنا ندفع مشترياتنا كافة بطريقة بطاقة مدى (نقاط البيع والدفع الإلكتروني) وفي المحال التجارية كافة تقريبا، صغيرها وكبيرها، وهذا بلا شك يقدم تسهيلات غير محدودة في إنجاز الأعمال التجارية اليومية ويحقق مفاهيم التسوق الذكي، لقد بذل البنك المركزي جهودا كبيرة لأعوام طويلة من أجل الوصول إلى هذا المستوى الكبير الذي قلما نجده في أي دولة أخرى، وهذا الجهد يأتي في مسار تخفيض قيمة النقد المتداول خارج المصارف، حيث تم تطوير التقنية المصرفية من أهمها نظام "مدى" الأكثر تطورا وفعالية وسرعة في التنفيذ، للمساهمة في تخفيض الاعتماد على النقد واستبداله بخدمات الدفع المسبق، كما تم توفير عديد من أجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع، حتى تخطى عدد أجهزة نقاط البيع داخل المملكة حاجز المليون جهاز، متوافرة لدى منافذ البيع التجارية في أكثر من 180 مدينة وقرية وذلك بحسب بيانات البنك المركزي لعام 1443هـ، ويعد 2021 من أكثر الأعوام نموا في أجهزة نقاط البيع بنسبة تتجاوز 40 في المائة، حيث ارتفع عدد الأجهزة من 721 ألف جهاز بنهاية 2020 ليتجاوز حاجز المليون جهاز بنهاية 2021.

كل هذه الجهود تذكر فتشكر، وقد أسهمت هذه التقنية المتطورة في دعم جهود وزارة التجارة لمكافحة التستر، وأكد البرنامج الوطني لمكافحة التستر إلزام جميع منافذ بيع قطاع التجزئة بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني، وتنفذ وزارة التجارة، وفقا لاختصاصاتها، جولات تفتيشية ميدانية لمراقبة التزام جميع منشآت قطاع التجزئة بتوفير واستخدام وسائل الدفع الإلكتروني، وتلقي ومباشرة بلاغات المستهلكين في حال عدم توافر الخدمة أو الامتناع عنها، وتطبيق العقوبات النظامية على المنشآت غير الملتزمة.

لكن رغم هذه الجهود المشكورة جدا فإن هناك مشكلات يواجهها المتسوقون قد تشوه مثل هذه الإنجازات، أو تعوق التقدم المطلوب، فأصحبت ظاهرة تعطل جهاز نقطة البيع منتشرة بشكل واسع، فما أن تقوم بوضع بطاقة مدى (بأي شكل كانت، في الساعة الإلكترونية أو في الجوال أو في البطاقة البلاستيكية) قد يخبرك البائع بعد إتمام العملية بأن العملية مرفوضة (ولا يعطيك أي سند لذلك بحجة انتهاء الورق) أو يقوم برميه مباشرة في المهملات، ثم يطلب منك الدفع مرة أخرى وهكذا مرة أو مرتين.

وعندما تأتيك الرسائل النصية من البنك تفيد بسحب المبلغ أكثر من مرة، تعود إلى البائع ليخبرك بأن النظام سيعيدها إليك مرة أخرى بعد 24 ساعة، ولا مجال للمناقشة، بل قد تجد نفسك أمام إعلان إخلاء المسؤولية تماما عن ذلك، وأن على المتسوق العودة إلى البنك، ثم يمضي أسبوع دونما استعادة، وعند العودة إلى البنك تجد الموظف يؤكد سحب المبلغ ولا مسؤولية على البنك ولا يحق استعادة المبلغ المدفوع بالزيادة، تعود إلى المحل تجده يماطل ويرفض بشدة على أساس أن ذلك من أخطاء البنوك، تتظلم لوزارة التجارة، من خلال تطبيق البلاغات الذي يضع في أول خانة له من المخالفات (الدفع الإلكتروني) ليرد عليك بعد بأن ذلك ليس من اختصاص الوزارة، ثم لا يدلك على أي طريق تسلكه، تذهب إلى البنك المركزي تجد أن ذلك ليس من اختصاصه فالمحال التجارية ليست من اختصاصات الوزارة، تذهب إلى رقم (بينه) (935) ليخبروك بعد أيام بأنه لا يوجد اختصاص لذلك عند الوزارات وأن هذه مطالبات مالية وعليك اللجوء إلى القضاء، هكذا ببساطة أذهب إلى المحاكم لأن محلا تجاريا أخذ مني (خطأ أو بالغش) 200 ريال تزيد أو تنقص؟ قد يقول قائل إن ذلك مسؤولية المتسوق، لكن مع انتشار هذه الأجهزة وجهود مكافحة النقد خارج المصارف، أصبحنا نضع هذه البطاقات في يد السائق، حتى الأطفال، وفي تجربة شخصية لي تم رفض 50 ريالا لعدم وجود (فكه)، لهذا أصبح التعامل بهذه التقنية أمرا لازما، وليس كل منا يجيد ذلك، كما أن عديدا من المؤسسات التجارية يدعي عدم وجود ورق، ويؤكد رفض العملية، بينما هي مقبولة، فإذا رفضت ذلك لم تأخذ بضاعتك وقد دفعت في مقابلها، وإذا أعدت العملية قد يسحب المبلغ مرات عديدة، فما الحل ؟

الموضوع يحتاج إلى حوكمة ورقابة من أي جهة، وهذه القضية تتصاعد بشكل لافت، وهنا أساليب أخرى من التلاعب بينها أن يطلب منك الدفع إلكترونيا ببطاقة مدى وإذا كان المبلغ أربعة ريالات يكتبه عمدا 40 ريالا، وإذا كان 40 ريالا يكتبه 400 ريال، ولو كان 77.99، يصبح فجأة 7799.77، هكذا هي الأخطاء الأولية فإذا اكتشفتها حالا أو منحت فرصة أنه لا يوجد رصيد كاف عادت إليك وإلا تم سحب المبلغ فورا، وعليك المطالبة عند المحل التجاري بكل وسيلة لإعادتها، وإلا فإن عليك الذهاب إلى المحكمة، لأن وزارة التجارة ترى ذلك ليس من اختصاصها فهذه مطالبات مالية، فالاحتيال التجاري موجود ولا يمكن تجاهله لكن مع الأسف ليس هناك نظام لمكافحة الاحتيال التجاري، بل تعريفات للغش التجاري كلها تخرج الوزارة والتجار من هذه المسؤوليات، خاصة أن عدد عمليات الدفع الإلكتروني (عمليات نقاط البيع) يتنامى بشكل كبير، فقد ارتفع من مليار عملية في 2018 ليصل إلى أكثر من سبعة مليارات عملية في 2022، أي سبعة أضعاف في غضون أربعة أعوام، وبلغت قيمتها في 2022 أكثر من 559 مليار ريال.

وإذا كنت شخصيا قد تعرضت في شهر واحد إلى عمليتين من هذا النوع الاحتيالي، وبافتراض أنني أقوم بأكثر من 100 عملية في الشهر لأن راتبي محدود عند هذا العدد، وإذا كان متوسط كل عملية 200 ريال فإن هناك احتمالا بحدوث احتيال في 2 في المائة من العمليات أي ما يعادل 140 مليون عملية سنويا قد يكون فيها احتيال، وبقيمة أكثر من 11 مليارا في العام وهذه المبالغ تؤخذ من الناس ولا تدفع في مقابلها ضرائب ولا رسوم ولا هي مخالفات صريحة، فهل هذا كاف ليتم تطوير إجراءات حوكمة بين الجهات المعنية كافة لمكافحة هذه الظاهرة السلبية؟

 

 

نقلا عن الاقتصادية