كثير من الأحكام الفقهية في القرآن والسنة جاءت ظنية الدلالة، يُحتاج في فهمها واستنباط أحكامها إلى شيء من الفكر والتأمل مع استحضار أدلتها الشرعية، وتبع ذلك تفاوت الفقهاء في فهم معاني الشريعة ومقاصدها، فاختلاف اجتهاداتهم نتيجة اختلاف أفهامهم للأدلة الشرعية وقواعدها، ففقه المعاملات المالية هو أحد أبواب كتب المذاهب الفقهية الذي احتوى العديد من المسائل المحتملة للوجوب أو الاستحباب أو الكراهة أو التحريم أو الإباحة وفقاً لأدلتها الشرعية، مع تلك الجهود العلمية الكبيرة في المالية الإسلامية التي أشرنا لها في المقال السابق "هل الصناعة المالية الإسلامية نتاج اجتهادات فردية؟" تتفرع مسائل مالية تكثر فيها الآراء الشرعية والنقاشات حولها، امتدادً للاختلاف الفقهي المحمود والقديم بين العلماء، كقصة داود وسليمان عليهما السلام، واختلافِ آرائهما في قضية صاحب الحرث وصاحب الغنم، فجاء مدحهم والثناء عليهم جميعاً في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ [سورة الأنبياء:78-79]، وسبقَنا في ذلك صحابة رسول ﷺ، فمن ذلك مارواه الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما حيث قال: قال النبي ﷺ يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي لم يُرد منا ذلك، فذُكر ذلك للنبي ﷺ فلم يعنف واحداً منهم، رواه البخاري، فاختلفت تفسيرات الصحابة على جلالة قدرهم رضوان الله عليهم لكلام النبي ﷺ وهم في المجتمع النبوي.
من صور الاختلاف الفقهي لإحدى صيغ التمويل الإسلامي المعاصرة "منتج التورق"، وهو مأخوذ من الورِق وهو الفضة، لأن الذي اشترى السلعة إنما اشتراها بالآجل من أجل بيعها والحصول على الدراهم حالاً.
اختلف العلماء في حكم التورق على أقوال:
*الجواز وأدلتهم:
1- قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [سورة البقرة: 275]، ووجه الدلالة: أنها دلت على أن الأصل في البيع الإباحة ما لم يخرجه دليل عن هذا الأصل.
2- قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [سورة البقرة:282]، ووجه الدلالة: أن التورق نوع من المداينات التي تدخل في عموم الآية.
3- قواعد التيسير في الشرع وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وأن الحرج مرفوع عن الأمة، ولأنه أرفق بالمحتاج في هذا العصر الذي قل فيه من يُقرض.
4- الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، فهذا محتاج يريده لزواج وآخر لدراسة وآخر لعلاج، والمنع من مثل هذا فيه مشقة، والحاجة العامة إذا وجدت أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة.
وهو ما اختارته اللجنة الدائمة في الفتوى رقم: (13/161)، وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (19/245).
*التحريم وأدلتهم:
1- ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا استقمت بنقد، ثم بعت بنقد فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد، ثم بعت بنسيئة فلا خير فيه، تلك ورق بورق"، أخرجه عبدالرزاق وسعيد بن منصور، ومعناه: إذا قومت السلعة بنقد وابتعتها إلى أجل، وهكذا التورق.
2- أن الله حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاج، وهو في حقيقته أخذ دراهم بدراهم، وهذا المعنى موجود في التورق؛ لأنه يريد به الدراهم، والنية معتبرة في الأحكام.
والقصد من المثال ليس لبيان الحكم الشرعي وإنما لتوضيح صورة من صور اختلاف العلماء، واستنباطاتِهم الفقهيةِ لاستخراج الحكم الشرعي، وأن كثيراً من الأحكام الفقهية تحتمل عدة آراء وتفسيرات شرعيةٍ يصعب من خلالها الجزم بصحة قول عن قول إذا كانت أدلة كل قول لها قوتها ووجاهتها.
ويعود سبب اختلاف العلماء في كثير من مسائل المعاملات المالية إلى أسباب منها:
1. قلة النصوص الشرعية الواردة في المسألة.
2. التكوين العلمي والثقافي للفقيه وإلمامُه بعلوم اللغة والحساب والاقتصاد والمصرفية وغيرها، فهذه العلوم تفيد في الوصول إلى الحكم الشرعي.
3. أن المسألة جديدة ولم يتم تصور جميع النواحي فيها.
هذا بدوره يحتم علينا التماسَ العذر لهؤلاء العلماء وأعضاء الهيئات الشرعية في الصناعة المالية الإسلامية فيما يقدمونه من جهد واجتهاد علمي، ومناقشةَ تلك الآراء علمياً دون الخوض في نياتهم طالما أن آراءهم استندت على الدليل الشرعي والطريقة الصحيحة للاستدلال، مع استيعابهم للأمور الفنية التي قد تخفى على كثير من عامة الناس خارج الصناعة المالية، لذا شرف الله عز وجل العلماء في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل: 43]، وقولِه تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الزمر:9].
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله وتعزب عنه، وقال: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله عند أهل النقل بخلاف ما قلتُ فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي، ومثل هذا الكلام عند جميع الأئمة.
وكلهم من رسول الله مُلتمِس -- غَرْفًا من البحر أو رشْفًا من الديَمِ
وعلى عموم الناس اتباع من يثقون في علمه ودينه.
خاص_الفابيتا
الفرق بين القرض الربوى والقرض الإسلامى هو توقيع بعض الأوراق عند البنك أما العمولة أو الفائدة فسيدفعها المقترض يعنى حيدفعها. الله لايقبل الإحتيال واللف والدوران. هناك فرق كبير بين القرض الشخصى والقرض التمويلى. أيام الرسول كانت القروض كلها تقريبا قروض شخصية ولم يكن هناك قروض تمويلية أو حتى بنوك !
لا فرق بين القرض (الشخصي/الاستهلاكي) و بين ( التمويلي/ الاستغلالي/ الاستثماري) ، والقروض التي كانت عند قريش ومنها ربا العباس: قروض تمويلية، وكذا القروض التي كانت بين ثقيف وبني المغيرة من قريش؛ حيث كان رجال قريش تجاراً يبعثون بالأموال ويضاربون في رحلات الشتاء والصيف . ولا يصح الحكم قبل المعرفة التامة والتصور الصحيح، والآيات صريحة بعموم النوعين.
ليتك ذكرت فرقاً من أهم الفروق وهو صفة جبلية عند جميع شراح الأنظمة والقوانين؛ ولا يسلم منه فقهاء الإسلام-لأنه صفة جبلية- وهو: انقسام نظر العلماء إلى ( ألفاظ / أشكال / ظواهر ) أو إلى ( معاني / حقائق / مقاصد) . وليس اقتصار النظر للفظ دون المعنى، وإنما تغليب النظر الظاهري اللفظي مثلا على النظر المقاصدي الحقائقي . أو العكس . ولكل طريق عوارضه.
جميلة المقالة ،، اختلاف المنظورات الفكرية والمفاهيم امر عجيب
الكاتب الكريم.. ليتك ذكرت فرقاً من أهم الفروق وهو صفة جبلية عند جميع شراح الأنظمة والقوانين؛ ولا يسلم منه فقهاء الإسلام-لأنه صفة جبلية- وهو: انقسام نظر العلماء إلى ( ألفاظ / أشكال / ظواهر ) أو إلى ( معاني / حقائق / مقاصد) . وليس اقتصار النظر للفظ دون المعنى، وإنما تغليب النظر الظاهري اللفظي مثلا على النظر المقاصدي الحقائقي . أو العكس . ولكل طريق عوارضه.