الأربعاء المقبل يوافق يوم تأسيس الدولة السعودية في عهد الإمام محمد بن سعود، ومعلوماتنا الاقتصادية عن عهدي الدولة السعودية (الأولى والثانية) شحيحة جداً، ولكن الثابت لدينا أنه في جميع مراحل الدولة السعودية الثلاث كان دخل الدولة يعتمد على الزكاة طبعاً قبل اكتشاف النفط الذي أتى متأخراً، وفي عهد الدولة السعودية الثالثة وفي عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، اعتمدت الدولة على الزكاة بالإضافة إلى ما يعرف بـ«الجهاد»، وهو مبلغ مقطوع يدفع من قبل كل عائلة لتجهيز جيش الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، بالإضافة إلى انتداب رجل من العائلة يشارك في الجيش، وعائلتي فعلت ذلك.
غير ذلك كان الاقتصاد حُراً ولم يعرف النظرية الاشتراكية ولا الرأسمالية، وإنما كانت القوانين الحاكمة في السوق هي القوانين الإسلامية التي سمحت للسوق بأن تتطور دون تدخل الدولة إلا في الحدود الضيقة وحينما تقتضي الضرورة.
ومع اكتشاف النفط والرغبة في تأسيس شركة تدير شؤون النفط طبعاً بالمشاركة مع مكتشف النفط «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا»، كاتَب الملك عبد العزيز أهل الأحساء وأهل القصيم للمشاركة في الشركة، وكان من المعاني الواردة في خطاب الملك عبد العزيز لأهل القصيم ما معناه، لا ما نصه: «يا عيالي ساهموا فإني أرى فيها خيراً كثيراً»، أهل الأحساء انتظروا القصيبي الذي كان في الهند لمشاورته، ولكن الاكتتاب أغلق قبل أن يعود القصيبي، أما أهل القصيم فلم يكتتبوا ولم أعرف سبباً مكتوباً لعدم مشاركتهم، ولكني أظن أنهم لم يكتتبوا لأن تجارتهم قائمة على الإبل، لذلك لم يدركوا أهمية النفط وصناعته، المهم أنهم لم يشاركوا.
مرّ العالم العربي بعواصف سياسية، فقامت بعض الدول العربية بتأميم صناعة النفط، فيما رفضت السعودية ودول الخليج التأميم وأوفت بالتزاماتها تجاه الشركات الأجنبية، وهو ما أكسبها ثقة عالمية، وبالتفاوض أصبحت شركة «أرامكو» شركة سعودية.
ورغم مرور وقت طويل، لم يجرؤ أحد على تحويل شركات النفط العربية إلى شركات مساهمة، تارة خوفاً من التفريط في السيادة، وتارة خوفاً من الاتهام ببيع الثروة الوطنية.
أتى ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان برؤية جديدة، فضرب بعرض الحائط كل تلك المخاوف وجارى السينمائيين وقال: «أرامكو كلاكيت ثاني مرة»، فإذا كانت اللقطة التي أرادها الملك عبد العزيز لم تنجح نتيجة تخوف المجتمع وعدم وجود الفوائض النقدية العالية، فإنها نجحت مع الأمير محمد بن سلمان نتيجة القرار الشجاع، ولمعرفة المجتمع بأهمية الصناعة النفطية وتعطشهم للمساهمة فيها، ولذلك غُطي اكتتاب أرامكو أكثر من مرة، ولم يحصل المكتتب إلا على نحو ربع ما اكتتب به نتيجة التدافع على الاكتتاب والقناعة به، فهل نرى «كلاكيت ثاني مرة» في قطاعات أخرى. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط