نمو الاقتصادات وملحوظة على منهجية الحسابات

13/02/2023 0
د.صالح السلطان

صدر في الشهر الماضي تقرير صندوق النقد الدولي الدوري "مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي". وقد استعرضت في مقال الإثنين الماضي هذا التقرير، توقع التقرير أن يشهد العالم مزيد غلاء أي تضخم، لكن بمعدل أقل من العام الماضي، حيث بلغ ذروته،وبالأرقام متوقع أن ينخفض معدل التضخم على المستوى العالمي من نحو 9 في المائة في العام الماضي، إلى نحو 6.5 في المائة هذا العام، ونحو 4 في المائة في العام المقبل. ويتوقع الصندوق أن هذا العام هو نقطة تحول مع توقع تحسن الظروف في الأعوام القريبة المقبلة،أما من جهة نمو الاقتصاد، فالمقصود ما يسمى النمو الحقيقي، المستند إلى استبعاد أثر التضخم وتغير الأسعار. ذكر تقرير الصندوق أن الاقتصاد العالمي حقق معدل نمو 3.4 في المائة في 2022. ومتوقع استمرار النمو هذا العام لكن بمعدل أقل، حيث تشير تقديرات الصندوق إلى 2.9 في المائة في 2023، ثم يرتفع إلى 3.1 في المائة في 2024.

لكن الدول ستتفاوت في معدلات النمو المتوقعة في الناتج المحلي الحقيقي. فالدول الغربية متوقع أن تحقق نموا في حدود 1 في المائة إلى 1.5 في المائة. أما الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، خاصة الهند والصين، فمتوقع أن تحقق نموا أعلى كثيرا. متوقع أن تنمو اقتصاداتها في حدود 4 ـ 5 في المائة، نمو بعد موجة ضعف في الاقتصاد جلبتها في الصين، خاصة القيود المفروضة وموجات تفشي فيروس كوفيد - 19. والآن، مع إعادة فتح الاقتصاد، متوقع تعافي النشاط وحرية التنقل، بما يسهم في نمو الاقتصاد، جاء في التقرير توقع انخفاض في نمو الاقتصاد السعودي من 8.7 في المائة العام الماضي إلى 2.3 في المائة هذا العام. والنمو المحقق في العام الماضي كان الأعلى بين مجموعة العشرين.

وهذا انخفاض قوي لا يعززه ما نراه من تطورات في الاقتصاد الوطني، ومرحلة تحول، ولا بيانات الميزانية للعامين الماضي والحالي، انخفاض النمو حسب تقرير الصندوق المبني على المنهجية الإحصائية السائدة عالميا سببه الأول خفض إنتاج القطاع النفطي المخصص للتصدير. والسعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم. لقد سجل إنتاج مجموعة دول "أوبك+" انخفاضا أواخر العام الماضي، وأرجعت المجموعة قرارها بخفض الإنتاج إلى عوامل اقتصادية وليست سياسية، خاصة المخاوف من الركود العالمي، وحالة عدم اليقين التي تحيط بالأسواق في ظل الأوضاع الحالية، ونصيب المملكة من الخفض الموجه للتصدير نحو نصف مليون برميل يوميا. وانخفاض الإنتاج يعني حسب المنهجية الإحصائية المستخدمة عالميا حصول انخفاض اقتصادي في الناتج المحلي الحقيقي.

هل يعني ذلك أن دول المجموعة تستهدف خفض نمو اقتصاداتها؟ طبعا لا، بل العكس، فهو هدف أساسي لخفض الإنتاج الموجه للتصدير، حصلت دول "أوبك+" من تصدير النفط على دخل نفطي أعلى. زادت إيرادات دول المجموعة، فزاد الإنفاق العام زيادة كبيرة. وينعكس كل ذلك إيجابيا على النمو الاقتصادي، ولذا، فإن توقع انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في هذا العام انخفاضا شديدا يعكس مشكلة عالمية في المنهجية الإحصائية التي لا تفرق بين ما يستهلك محليا وما يصدر من الإنتاج المحلي. وعبارة الناتج المحلي الإجمالي تعني بلغة مبسطة قيمة السلع والخدمات السوقية التي ينتجها الاقتصاد الوطني خلال فترة زمنية محددة، والناتج المحلي الإجمالي المعبر عنه اختصارا بالإنجليزية بالحروف الثلاثة GDP هو أشهر مقياس لنمو الاقتصاد. والنمو هو أشهر مقياس لتحسن حالة الاقتصاد، وتوافر فرص وظيفية فيه. وقلت هو أشهر مقياس، لكنه ليس الأدق، لكن الحصول على الأدق مكلف كثيرا مقارنة بالحصول على رقم الناتج بالمنهجية السائدة الآن.

من أهم الإجراءات التي يطبقها من يعملون على قياس التغير في حجم الاقتصاد مقارنة الناتج المحلي بالأسعار السائدة والناتج المحلي عند تثبيت الأسعار عند مستوى "سنة مختارة بعينها". والهدف معرفة التغير في حجم الاقتصاد مع مرور الوقت بمعزل عن التغير في الأسعار، ويعبر عن الناتج المحلي عند تثبيت الأسعار أو استبعاد أثر التضخم بعبارة "الناتج المحلي الحقيقي"، لكن ذلك الاستبعاد لا يبين كما ينبغي نمو أو انكماش أي اقتصاد تشكل فيه الموارد الطبيعية، خاصة النفط، نسبة كبيرة من الصادرات ومن الناتج المحلي، ومن إيرادات المالية العامة، خاصة مع تثبيت سعر صرف العملة المحلية، وما يوضح المشكلة أيضا، أن منهجية استخراج أرقام الناتج المحلي في أي دولة من دول العالم تستند إلى احتساب السلع والخدمات التي يتم الحصول عليها عن طريق السوق، أي عن طريق الشراء أو الاستئجار، أما زيادة اعتماد فريق من الناس على أنفسهم في الحصول على سلع وخدمات، فإنها لا تدخل في احتساب الناتج المحلي الاسمي أو الحقيقي.

الخلاصة، إن المنهج المطبق عالميا حاليا في التعرف على نمو الاقتصادات ليس خاليا من العيوب، بل فيه ضعف في التعرف على نمو أو انكماش أي اقتصاد، خاصة المعتمد كثيرا على تصدير سلعة تشكل نسبة كبيرة من إيراد الحكومة، ويتبع سياسة تثبيت سعر الصرف، أرى أنه من الممكن بناء قياس حقيقي مرادف أو ثالث أساسه أمران: أولا، التفريق في احتساب النمو الحقيقي بين الإنتاج المصدر والإنتاج المستهلك محليا، ثانيا، مدى تأثير خفض الصادرات في الاقتصاد المحلي، وتبعا، أرى تعديل حساب الناتج المحلي الحقيقي للقطاع النفطي. وأساس هذا التعديل إما مراعاة تغير الدخل من التصدير، وإما تجاهل خفض الإنتاج المصدر طالما لم يترتب على هذا الخفض تأثير سلبي في الاقتصاد المحلي مثل زيادة العطالة، أو خفض إيرادات الدولة أو بصفة عامة انخفاض النشاط الاقتصادي المحلي. وبالله التوفيق.

 

نقلا عن الاقتصادية