محاصرة اقتصاد الظل .. أولوية تنموية

13/02/2023 5
عبد الحميد العمري

يمثل انخفاض نسبة "اقتصاد الظل" إلى نحو 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إنجازا مهما للاقتصاد الوطني وللتنمية الشاملة والمستدامة في بلادنا العزيزة، وتأكيدا على النجاح الكبير للجهود المتكاملة من مختلف الأجهزة الحكومية تحت مظلة البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، وهو البرنامج الوطني الذي لم يكمل خمسة أعوام على تأسيسه وإقراره، طالما شكل هذا التشوه "اقتصاد الظل"، المتمثل في وجود كثير من نشاطات الاقتصاد خارج دائرة الإحصاءات الرسمية للاقتصاد، واحدا من أكبر التحديات التي حدت في عديد الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التنموية من النمو والتنوع الإنتاجي وتحسين مستويات الدخل، بل مثلت أحد أكبر مصادر خروج السيولة من الاقتصاد الوطني طوال عقود ماضية، عدا ما تسببت فيه خلال الأعوام الأخيرة بعد إقرار عديد من مبادرات تنويع مصادر الإيرادات الحكومية، في عدم استيفاء المستحقات المالية المفروضة، نظرا إلى أن نشاطاتها تعمل وتحقق عوائد كبيرة خارج دائرة الاقتصاد الرسمي، وهي المستحقات التي تقدر سنويا بين 100 و125 مليار ريال سنويا بناء على ما صرح به وزير الاقتصاد والتخطيط أخيرا، بأنه وفقا لأحدث تقدير لحجم اقتصاد الظل في المملكة.

جاء قريبا من معدل الاقتصادات المتقدمة عند 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يصل حجمه إلى 593.4 مليار ريال وفقا لحجم الناتج المحلي الإجمالي لـ2022، الذي يعني أيضا أنه يناهز نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص خلال العام نفسه، ويؤكد أن رفع الجهود وتكاملها لأجل التضييق بدرجات أكبر على اقتصاد الظل، تحت مظلة البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، يشكل أولوية تنموية قصوى تتطلب تكاتفا مستمرا وأسرع من قبل الأطراف كافة، "أجهزة حكومية، قطاع خاص، وأفراد المجتمع"، شكلت زيادة الاعتماد على تطبيقات الحكومة الإلكترونية خلال الأعوام الأخيرة، واحدا من أهم جهود الانتصار على نشاطات "اقتصاد الظل"، التي تضمنت ارتفاع المدفوعات الرقمية خلال آخر ستة أعوام بنحو 1700 في المائة، وزيادة التحول عموما نحو المدفوعات الإلكترونية إلى 62 في المائة، مقارنة بنسبتها السابقة عند 40 في المائة، وارتفاعه بنسبة أكبر على مستوى قطاع الأعمال والشركات إلى نحو 82 في المائة.

ويؤمل أن تستمر تلك النجاحات بمعدلات أسرع خلال الفترة المقبلة، وصولا إلى المستهدفات التي تعزز بدرجة أكبر من المنافسة العادلة في القطاعات الإنتاجية، وتوفر الحماية الأعلى للمستهلكين، من خلال التضييق الأكبر على مختلف نشاطات "اقتصاد الظل"، التي سينتج عنها أيضا توافر مزيد من فرص الاستثمار أمام المدخرات المحلية، ويسهم تأسيسها وتوسع نشاطاتها في زيادة الآلاف من فرص العمل الكريمة أمام المواطنين والمواطنات، ويسهم بدوره في تحسين مستويات الدخل، عدا ما سيؤديه من زيادة لدوران رؤوس الأموال والثروات داخل الاقتصاد الوطني، ويحد بدرجة كبيرة من تسرب الأموال إلى الخارج، وهي النتائج التي سيصب تحققها إجمالا في مصلحة الاقتصاد الوطني بالنمو المستدام، وفي مصلحة التنمية الشاملة، بمشيئة الله تعالى.

إن من أهم ما تجب الإشارة إليه في هذا الخصوص وفي هذه المرحلة من الزمن، أننا طوال نحو ثلاثة عقود من الزمن، التي استغرقت نقاشات وجهودا طويلة جدا حول مواجهة مختلف نشاطات "اقتصاد الظل"، وكانت تلك النشاطات "الخفية" تتوسع عاما بعد عام طوال تلك الفترة! أؤكد أنه خلال أقل من أربعة أعوام فقط، قد أصيبت تلك النشاطات "الخفية" في مقتل! وكل هذا بتوفيق من الله، ثم بفضل المنهجية الكفؤة التي تسلح بها البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، البرنامج الوطني الذي جاء على قدر التطلعات والتوقعات التي رافقت ولادته وإقراره قبل عدة أعوام قليلة، وتمكن خلال تلك الفترة الوجيزة من تحقيق قدر قياسي أسهم في خفض نسبة تلك النشاطات "الخفية" إلى معدلها الأخير 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمعدلاته السابقة التي راوحت بين ضعف وضعفي هذه النسبة!

لقد تحولت الأمور في هذا الشأن، والحديث الإعلامي والمجتمعي عنها خلال الفترة الراهنة -بحمد الله- من البحث ودراسة آثار وجود واتساع تلك النشاطات "الخفية"، إلى البحث والحديث عن المكاسب التي بدأ الاقتصاد والمجتمع على حد سواء يجنيها من نجاح جهود التضييق على تلك النشاطات، وهذا مؤشر مهم جدا يعزز بدرجة كبيرة من الثقة لدى الأطراف كافة في البرامج والمبادرات الوطنية، من جانب آخر يسهم في سد أي منافذ محتملة قد يظن المتورطون في ممارسة تلك النشاطات "الخفية" بوجودها، كما سيسهم الاستمرار في تعزيز جهود البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، والمضي بها قدما إلى مستويات أوسع وأعمق وأكثر حزما على طريق محاربة نشاطات الاقتصاد الخفي، في الوصول بمعدلاتها من الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى المعدلات العالمية، في تعزيز مستهدفات بقية البرامج والمبادرات الوطنية تحت مظلة رؤية المملكة 2030، التي من أهم مستهدفاتها الاستراتيجية تطوير بيئة الأعمال المحلية، وزيادة جاذبيتها أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوسيع وتنويع قاعدة الإنتاج المحلي، وزيادة فرص العمل الكريمة والجاذبة، وهي المكاسب التي بدأت تتحقق عاما بعد عام خلال الأعوام الأخيرة، وستتاح لها فرص أكبر وأكثر جدوى مع كل تقدم يتحقق على طريق محاربة نشاطات الاقتصاد الخفي عاما بعد عام.

 

نقلا عن الاقتصادية