صدر في الشهر الماضي تقرير صندوق النقد الدولي الدوري "مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي". ما خلاصته على المستوى العالمي وتركيزا على الجهتين التضخم والنمو الاقتصادي لهذا العام 2023 خاصة؟ أما من جهة الأول فمتوقع أن يشهد العالم مزيد غلاء أي تضخم، ولكن بمعدل أقل من العام الماضي، حيث بلغ ذروته.
وأما من جهة الثاني فمتوقع استمرار النمو الاقتصادي، بنسبة مقاربة لما تحقق في العام الماضي. ولكن هذا النمو متفاوت بين الدول.
وبالأرقام متوقع أن ينخفض معدل التضخم على المستوى العالمي من نحو 9 في المائة في العام الماضي إلى نحو 6.5 في المائة في هذا العام، ونحو 4 في المائة في العام المقبل. ويتوقع الصندوق أن هذا العام هو نقطة تحول مع توقع تحسن الظروف في الأعوام القريبة المقبلة.
أما من جهة نمو الاقتصاد فقد حقق على المستوى العالمي 3,4 في المائة في عام 2022. ومتوقع استمرار النمو هذا العام ولكن بمعدل أقل، حيث تشير تقديرات الصندوق إلى 2,9 في المائة في 2023، ثم يرتفع إلى 3,1 في المائة في 2024. ولكن الدول ستتفاوت في معدلات النمو المتوقعة. فالدول الغربية متوقع أن تحقق نموا في حدود 1 في المائة إلى 1.5 في المائة. وأما الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، خاصة الهند والصين فمتوقع أن تحقق نموا أعلى كثيرا.
متوقع أن تنمو اقتصاداتها في حدود 4- 5 في المائة بعد موجة ضعف في الاقتصاد جلبتها في الصين، خاصة القيود المفروضة وموجات تفشي فيروس كوفيد - 19. والآن، مع إعادة فتح الاقتصاد، متوقع تعافي النشاط وحرية التنقل، بما يسهم في نمو الاقتصاد.
متوقع أن يسهم الاقتصاد الهندي بنحو نصف النمو العالمي هذا العام، مقابل مساهمة لا تزيد عن 10 في المائة للولايات المتحدة ومنطقة اليورو معا.
ماذا بشأن بلادنا السعودية، وهي من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة؟ حققت أعلى نمو بين مجموعة العشرين في العام الماضي.
لكن من المتوقع أن ينخفض النمو في هذا العام مقارنة بما تحقق في العام الماضي. وهنا نقطة فيها سوء فهم. انخفاض النمو سببه خفض متوقع في حجم إنتاج القطاع النفطي، المصدر خاصة، والذي يشكل نسبة كبيرة من حجم الاقتصاد. أما في بقية قطاعات الاقتصاد فمتوقع العكس، أي زيادة النمو.
النقطة السابقة تجر إلى حديث عن إشكال وسوء فهم في طريقة احتساب الناتج المحلي الحقيقي للقطاع النفطي خاصة. عبارة "الناتج المحلي الحقيقي" ليست دقيقة في التعرف على نمو أو انكماش اقتصاد تشكل فيه الموارد الطبيعية، خاصة النفط نسبة كبيرة من الصادرات ومن الناتج المحلي، ومن إيرادات المالية العامة، خاصة مع تثبيت لسعر الصرف.
نعرف أن "أوبك +" قد اتفقت قبل مدة على خفض الإنتاج.
وانخفاض الإنتاج يعني حسب المنهجية الإحصائية المستخدمة عالميا حصول انخفاض اقتصادي في الناتج المحلي. لكنه واقع لم يحصل، بل حصل العكس. حصلت دول "أوبك +" على دخل نفطي أعلى، وحصلت على موارد أعلى من تصدير النفط.
ولعلي أعطي هذه النقطة مزيد شرح في مقال قادم - إن شاء الله.
بصفة عامة، يرى الصندوق ويتفق معه غالب الباحثين والمحللين، أن العالم شهد ويشهد تطورات ومخاطر، لكنها مخاطر في تراجع. كيف؟ متوقع حصول دفعة أقوى من الطلب المكبوت في عديد من الاقتصادات، أو هبوط أسرع في التضخم.
لكن هناك جانبا سلبيا، على رأسه أن النتائج الصحية السيئة في الصين متوقع أنها أضعفت مسيرة التعافي في الصين وفي العالم بصفة عامة. ومن جهة أخرى، من الممكن أن تزيد حدة الخلافات بين بعض الدول، خاصة الحرب الروسية في أوكرانيا. ومن جهة ثالثة، هناك ضيق في أوضاع التمويل العالمية. بدأت الأسواق المالية في إعادة الاعتبار لمعدلات الفائدة. إعادة كان على رأس أسباب رفعها التضخم.
وهنا في قضية خفض الغلاء تواجه البنوك المركزية مشكلة عويصة. بين تفاؤل في كون مشكلات الاقتصاد العالمي أقل حدة مما كان متوقعا قبل عام مثلا، وبين الاستمرار في سياسات تخفض التضخم ولو على حساب نمو الاقتصادات.
باختصار، الأخبار السارة في جهة لا تعني بالضرورة أنها أخبار سارة في جهة أخرى، وقبول وفهم ذلك صعب جدا على غالب البشر. ذلك أن الإنسان خلق هلوعا إلا من استثناهم الله سبحانه. وهنا من المهم جدا الإشارة إلى أن فهم مجريات الأمور بمختلف جوانبها فهما جيدا مطلب.
لكن تظل الأولوية في معظم الاقتصادات، وسط أزمة تكلفة المعيشة، تظل في خفض الغلاء أي معدلات التضخم بصورة مستمرة قدر المستطاع. وخلاف خفض الغلاء، يدعو الصندوق إلى زيادة الاهتمام في استخدام أدوات السلامة الاحترازية الكلية وتعزيز أطر إعادة هيكلة الديون.
كما يدعو الصندوق في تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي" دول العالم إلى زيادة التدقيق في توجيه الدعم من المالية العامة. توجيه ينبغي أن يراعي أولا الفئات الأشد تضررا من تصاعد أسعار الغذاء والطاقة. كما يدعو الصندوق في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي ومستجداته" إلى تقوية التعاون بين الدول للحفاظ على المكاسب التي تحققت.
كما يدعو إلى التخفيف من حدة تغير المناخ بالحد من الانبعاثات وزيادة الاستثمارات الخضراء. وقد سبقت بلادنا في الدعوة إلى مراعاة تلك الجوانب، خاصة تقوية التعاون وزيادة الاستثمارات الخضراء. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية