أثبتت المملكة العربية السعودية أنها أرض خصبة للكثير من الفرص الواعدة لرواد الأعمال، مسجلة زيادة كبيرة في ملكية الأعمال التجارية تجاوزت نسبتها 65% على مدى السنوات الثلاث الماضية. كما أفاد المرصد العالمي لريادة الأعمال أن 90% من البالغين يرون ريادة الأعمال كخيارٍ مهني مناسب، وأن ثلث السعوديين يتطلعون لتأسيس مشاريعهم الخاصة في غضون السنوات الثلاث المقبلة، ومع هذا الكم الكبير من الفرص التي تقدمها المملكة، لا يزال السير في طريق النجاح محفوفًا بالتحديات ويتطلب أكثر من مجرد الدعم المالي والاستشاري. فغالبًا ما نتحدث عن ريادة الأعمال من منظور مبسط ومثالي، يسلط الضوء على الجانب المشوق والمترف للأعمال، خاصة إذا ما حقق المشروع النجاح، إلا أن حقيقة الأمر هي أن بناء شركات ناجحة وتطوير ابتكارات ذات رؤية مستقبلية يتطلب خوض غمار تجربة مرهقة جسديًا وذهنيًا.
فبدءا من لحظة وضع التصور الأولي لمشروعاتهم، يُتوقع من رواد الأعمال التحلي بأعلى درجات المثابرة والشغف والطاقة على الدوام من أجل تحقيق النجاح. فالتصور السائد لذهنية رائد الأعمال هو أنه من خلال الجمع بين الفرص والقيام بما يحبونه، يمكن لرواد الأعمال التغلب على جميع العقبات وتحقيق أمور عظيمة مع الحفاظ على الاستقرار الذهني والتوازن في حياتهم.
ومما لا شك فيه أن ريادة الأعمال تتطلب الالتزام والعمل الجاد. لكن عندما تكون منهمكا في إدارة شركة ناشئة، يسهل عليك نسيان أهمية صحتك الذهنية، مع استحواذ المشروع على كل اهتمامك ووقتك. ومن الضروري أن يضع رواد الأعمال في الاعتبار أهمية الموازنة بين الإنجاز والصحة والرفاهية. ففي نهاية المطاف، ليست هناك أي جدوى من تحقيق النجاح المادي إذا ما دفعك الإرهاق إلى حد الانهيار.
تحديات ريادة الأعمال
يأتي الحماس المرتبط ببدء عمل تجاري جديد مصحوبًا بالعديد من الضغوطات، مثل المخاوف المالية والتحديات التشغيلية. وإذا ما أضفنا إليها حالة عدم اليقين بشأن مستقبل المشروع فإن الأعباء النفسية على الفرد تصبح واضحة (وهي تشمل على سبيل المثال لا الحصر: الإنهاك، والقلق). لكن الموقف العام والتخوفات المرتبطة بالصحة الذهنية في العديد من البلدان قد تمنع الناس من طلب المساعدة النفسية، مما يؤثر سلبا على إنتاجية الفرد وجودة حياته.
وعلى الرغم من كون رواد الأعمال أصحاب رؤى بعيدة، قد يدفعهم التركيز التام على إنجاح العمل إلى إهمال صحتهم الذهنية، ما يجعلهم أكثر عرضة للضغوط. فوفقا لدراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، يعاني 72٪ من رواد الأعمال من مشاكل في الصحة الذهنية مقارنة بـ 48% بين أولئك الذين لا يمارسون ريادة الأعمال. وهنا تأتي أهمية إنشاء مساحة آمنة لتشجيع الحوار حول هذه القضية. إن تخصيص وقت من يومك لتقييم أعبائك النفسية سيتيح لك استكشاف ما إذا كنت بحاجة حقًا للدعم.
وقد يبدو الحماس والتشجيع الذي تتلقاه من جميع من حولك عوامل محفزة، لكنها في الواقع قد تشكل ضغوطات نفسية إضافية. فمن السهل تصديق أن العمل الشاق يساوي الإنتاجية العالية، لكن استمراريته دون انقطاع سيؤدي إلى إضعاف صحتك الذهنية وبالتالي تحقيق نتائج عكسية. ولا يقتصر عالم رواد الأعمال عليهم فحسب، فهو يمتد ليشمل الأهل والأصدقاء والزملاء والشركاء، لذا فإن هناك حاجة للحديث بانفتاح حول الموضوع لإلهام التغيير.
الذهنية الريادية
نحن نعيش في عصر تطورت فيه ريادة الأعمال إلى مسار وظيفي مجزٍ للأفراد من جميع الفئات العمرية ومناحي الحياة. وتواصل المملكة توفير العديد من الفرص لمواطنيها بدءا من حاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال إلى مساحات العمل المشتركة وتسهيلات التمويل. ومع هذا المنحى التصاعدي الذي تشهده المملكة، أصبح لدى ريادة الأعمال قدرة حقيقية على تعزيز الاقتصاد الكلي، ففي عام 2022، صنف المنتدى الاقتصادي العالمي المملكة في المرتبة الرابعة كأفضل دولة لرواد الأعمال.
وإلى جانب هذه الأسس القوية، من شأن توفير شبكة دعم معنوي تتناول التحديات اليومية المرتبطة بريادة الأعمال، والكشف عن طرق تدعم استقرار الحالة الذهنية لرواده، إلى جانب وجود تأمين صحي يغطي الصحة الذهنية، ستسهم مجتمعة في إنشاء جيل واعٍ من رواد الأعمال قادر على الإسهام بشكل إيجابي في نمو اقتصاد المملكة، دون المساومة على على الرفاهية الذهنية.
خاص_الفابيتا