أسعار العقار بين التضخم وتملك الأجانب

30/01/2023 21
عبد الحميد العمري

كان من أهم ما حفل به "منتدى مستقبل العقار" الذي عقد الأسبوع الماضي في الرياض، تصريحان لوزيري الاستثمار والشؤون البلدية والقروية والإسكان، حيث ذكر وزير الاستثمار، "أن هناك تحديثا لنظام تملك الأجانب للعقار، وهو في مراحله الأخيرة، وأهم مقترح فيه ـ الذي لم تتبنه الحكومة حتى الآن ـ هو فتح الاستثمار العقاري والتملك للأجانب، سواء للشركات أو الأفراد، المقيمين وغير المقيمين"، وأشار أيضا إلى العمل الحكومي القائم الآن على نظام جديد لجباية الزكاة، وإلى أن الفرص الاستثمارية في البلاد يبلغ حجمها الإجمالي نحو 12.4 تريليون ريال، يشكل القطاع العقاري نحو 20 في المائة من إجمالي تلك الفرص الاستثمارية، أي بما يصل بقيمة الاستثمارات في القطاع إلى نحو 2.5 تريليون ريال.

أما تصريح وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، فقد ذكر أن "العمل قائم لاستقطاب الاستثمار الأجنبي إلى القطاع العقاري في المملكة، مؤكدا حاجة السوق إلى مزيد من المستثمرين في ظل الحاجة المتزايدة للسوق، وأن قيادة المملكة دعمت الوزارة لضخ مزيد من الأراضي تلبية للطلب المتزايد، وأن السوق بحاجة إلى عرض كبير مع انطلاق عدد كبير من المشاريع، وفقا لرؤية المملكة 2030، في الوقت الذي لا يغطي حجم المقاولين السعوديين الطلب الكبير، وذكر أيضا أن "أسعار العقارات في السعودية مبالغ فيها نسبيا، وهناك حاجة إلى ضخ أراض كبيرة في مدن التمركز، الرياض وجدة والدمام، وأن الوزارة ستطرح قريبا عددا كبيرا من الأراضي لنتأكد من وصولها إلى المواطنين، خصوصا كمسكن أول، في أقرب وقت ممكن".

البداية هنا من حيث انتهى حديث وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، من وجود طلب متزايد على الأراضي والمساكن، مقابل محدودية حجم المقاولين السعوديين أمام هذا الطلب الكبير، ولهذا وصلت الأسعار إلى مستويات مبالغ فيها، وأن من أول الحلول لدى الوزارة هو اجتذاب مزيد من المستثمرين الأجانب لتعويض ضعف أعداد المقاولين، إضافة إلى ضخ مزيد من الأراضي في السوق بدعم من القيادة الرشيدة، وصولا إلى المواطنين في أقرب وقت ممكن، وتحديدا إلى الباحثين عن تملك مسكنهم الأول.

ففي المرحلة الراهنة تقف سوق الإسكان أمام ارتفاع الأسعار فيها إلى مستويات مبالغ فيها، نتيجة للطلب الكبير والمتنامي مقابل محدودية أعداد المقاولين السعوديين، سيكون من أهم الحلول الفاعلة في هذه المرحلة هو اجتذاب المستثمرين الأجانب من شركات التطوير العقاري العملاقة، وفتح المجال أمامها للاستثمار والتطوير في القطاع العقاري الذي قدر وزير الاستثمار قيمة فرصه الاستثمارية بنحو 2.5 تريليون ريال "20 في المائة من إجمالي الفرص الاستثمارية في البلاد"، الذي سيوجد بدوره سوقا عقارية محلية عالية التنافسية، تتوافر لديها القدرة والجودة والكفاءة لتلبية الطلب المحلي المتنامي، وتلبي أيضا متطلبات تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، إضافة إلى أهمية الجهود التي ستقوم بها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بضخ مزيد من الأراضي في جانب العرض، والتركيز بدرجة أكبر على المدن الرئيسة الرياض وجدة والدمام.

جميع ما تقدم، يمثل أهمية قصوى لمعالجة أوجه القصور التي طالما عاناها جانب العرض، الذي يعاني ضعف عدد المقاولين والمطورين المحليين، إضافة إلى ضعف جودة منتجاته العقارية على اختلاف أنواعها، كما يعاني ضعف المعروض من الأراضي، لزيادة الفترات الزمنية لاحتفاظ ملاكها بها، قياسا على ضآلة تكلفة الرسوم المفروضة عليها، مقارنة بالقفزات السعرية التي تحققها فترة بعد أخرى، وهو ما سبق الحديث عنه سابقا في أكثر من مقام، بأن ذلك يعود إلى ضعف آلية أو منهجية احتساب الرسوم المقررة من النظام على ملاك الأراضي البيضاء في مختلف المدن والمحافظات، التي تستنتج أسعارا لتلك الأراضي أدنى بكثير من أسعارها السوقية، ولهذا تأتي تكاليف الرسوم المفروضة محدودة جدا، مقارنة بالمكاسب القياسية المتحققة من استمرار احتفاظ ملاكها بملكيتهم من تلك الأراضي، ونصل في النهاية إلى مضمون تصريح وزير الاستثمار، وما حمله من إشارات إلى جوانب لم يتم إقرارها بعد، تتعلق باجتذاب المستثمرين الأجانب إلى القطاع العقاري، وتتعلق أيضا بالسماح بالتملك للأجانب، سواء للشركات أو الأفراد، المقيمين وغير المقيمين.

فلا بد هنا قبل إقرار أي من تلك المقترحات المذكورة الاهتمام بما أوضحه وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، بالتركيز أولا على اجتذاب المستثمرين الأجانب إلى القطاع العقاري، الذي سيؤدي ارتفاع استثماراتهم ومساهمتهم محليا في القطاع، إلى معالجة الجوانب المهمة التي ذكرها وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، "ضعف عدد المقاولين"، ويسهم في زيادة عرض المنتجات العقارية باختلاف أنواعها، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، الذي سيؤدي بدوره إلى استقرار وعدالة الأسعار، وخروجها من مسار المبالغة التي وصلت إليها "التضخم".

أما بخصوص السماح بتملك الأجانب للعقارات، فكما ثبت أعلاه من الجهات الرسمية، أن الطلب المحلي كبير ومتنامٍ، مقابل محدودية العرض، ما أدى إلى تضخم الأسعار حسبما ذكر وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وحسبما تؤكده البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل، فقد تقتضي المصلحة العامة خلال المرحلة الراهن، أن يتم تأجيل قرار السماح بتملك الأجانب عدة أعوام أخرى إلى أن تتوازن قوى العرض والطلب، والتركيز الآن على تحفيز جانب العرض وتطوير قدراته، خاصة أن جانب الطلب لا يعاني أي ضعف بأي شكل من الأشكال، والتحوط كثيرا من مضاعفة حجم الطلب بالسماح للأجانب بالتملك خلال الفترة الراهنة، التي سيؤدي حدوثه إلى زيادة الأسعار بأعلى مما وصلت إليه خلال الفترة الراهنة، ويؤدي أيضا إلى زيادة مخاطر الاستثمار أمام المستثمرين الأجانب المستهدف اجتذابهم، الذين يمثلون الأولوية بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني عموما، والأولوية القصوى أيضا للقطاع العقاري الذي يعاني تحديات عديدة، كان من أهم تلك التحديات ما ذكره وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان في حديثه الأخير في "منتدى مستقبل العقار".

لا بد من الأخذ بعين الاعتبار سمات المرحلة الراهنة على مستوى الفرص والتحديات، وتوظيف العامل الزمني في الأخذ بالأولويات وفق منهجية متدرجة ومتوازنة، بما لا يؤثر سلبا في العمل على تحقيق أولوية معينة، على حساب أولوية تنموية أخرى ذات أهمية أكبر.

 

نقلا عن الاقتصادية