مستقبل الاقتصاد الدائري في الدول العربية

18/01/2023 0
د. ثامر محمود العاني

تهتم الدول العربية، بدرجة كبيرة، بما يسمى الاقتصاد الدائري، ويتعامل معه بحالة من الشفافية وزيادة الثقة عبر سلاسل الإمداد العالمية، التي تحفز على التحكم بشكل أكبر في الموارد، كما أن هناك بعض الاقتصادات التي تتمتع بوجود سلاسل إمداد دائرية يتم عن طريقها اقتسام الأرباح بشكل عادل بين المجتمعات والمستهلكين وغيرهم، كما أن هناك أيضاً الثورة الصناعية الرابعة التي تشكلت ملامحها في وسائل تكنولوجية مثل الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء والنانو تكنولوجي، وأسهمت جميعها في انتعاش عدد من القطاعات مثل تتبع المعادن من المناجم إلى المستهلكين وتحليل البيانات لاستخدامها في إعادة التصنيع والتدوير.

إن المقصود بالاقتصاد الدائري هو عبارة عن نموذج اقتصادي يستهدف تقليل المهدر من المواد والسلع والطاقة والاستفادة منها قدر الإمكان، بحيث يتم خفض الاستهلاك والنفايات والانبعاثات، وذلك عن طريق تبسيط العمليات وسلاسل الإمداد، حيث يسهم أيضاً في تعظيم الاستفادة من جميع المواد الخام والمعادن والطاقة والموارد بمختلف صورها، فضلاً على إطلاق عمليات إعادة التدوير والاستخدام وإعادة التصنيع والتطوير، بدلاً من نمط الهدر وإلقاء النفايات، إذ يعيد الاقتصاد الدائري بوجه عام تطوير الأنظمة الصحية والاستهلاكية والتعريف بقيمة الأشياء وأهمية الاستخدام الفعال، وتقليل الآثار السلبية الناجمة عن الأنماط الاقتصادية التقليدية، كما أنه يسهم في خلق فرص اقتصادية واستثمارية أفضل للشركات والمؤسسات، فضلاً على المزايا البيئية والاجتماعية.

تتمتع الدول العربية بالمواهب الوطنية الشابة في بناء المستقبل المستدام في الدول العربية، إذ إن المنطقة العربية في وضع جيد، يمكنها من الاستفادة من الفرص التي تتيحها مواردها وبنيتها التحتية المتقدمة وخبراتها التكنولوجية من أجل قيادة الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة، إذ إنه يجب على الصناعة الكيماوية بصفتها عامل تمكين رئيسياً لهذا التحول، أن تتبنى فرص التكامل مع صناعة النفط والغاز والتعاون عبر سلسلة القيمة للوصول إلى تحقيق أهداف الاقتصاد الدائري، إذ إن ذلك يتطلب حلولاً جديدة وتضافر الجهود وتطوير الإجراءات لتحقيق التكامل عبر سلاسل القيمة وتطوير اللوائح والمعايير التي تدعم عمليات إعادة التدوير.

إن الصناعة الكيماوية استطاعت بنجاح التغلب على كل التحديات التي تواجهها باستمرار، إذ من الأهمية بمكان تضافر الجهود والعمل من أجل تحويل هذه التحديات إلى فرص، بما يمكن الدول العربية من بناء مستقبل مستدام، إذ تحتاج صناعة الكيماويات إلى تعزيز وتسريع جهود الابتكار لتطوير مواد أكثر فاعلية واستدامة بتكاليف منخفضة، حيث إن إنشاء مراكز للمواد المتقدمة في الدول العربية يمكن أن يعزز ويكمل البرامج الحالية، ويدفع حدود الابتكار إلى آفاق جدية من خلال التعاون العالمي.

إن تحول الطاقة العالمي يستلزم حدوث تحول عالمي موازٍ في إنتاج المواد التي تستخدم في قطاعات الإنشاء والتصنيع، وهو ما يمكن تسميته تحول المواد، إذ إن هناك ثلاثة عوامل ينبغي العمل بشأنها، هي تعزيز وتسريع وتيرة الجهود في الابتكار لقطاع الكيميائيات، لتطوير مواد جديدة تستخدم على نطاق واسع في قطاع البناء والتصنيع، تكون أكثر قوة واستدامة، ومادتها الخام من البوليمرات، مع تقليل تكلفة إنتاجها، بحيث تكون منافسة في الأسعار، ومكملة للمواد التقليدية، كالحديد والخرسانة، مع تميزها في الأداء، إذ إن نمو الاقتصاد العالمي ونمو عدد السكان في العالم، ستنتج عنه زيادة كبيرة في الطلب على المواد التقليدية، ويحتاج إنشاء مركز لأبحاث وتطوير المواد الجديدة في الدول العربية لزيادة حدود الابتكار، من خلال التعاون العالمي، كما أن هناك فرصة للاستمرار والنمو في قطاع الكيميائيات، مع توفر الوقود والمواد الخام، وبنية تحتية داعمة على نطاق واسع.

وفي الختام سيستفيد العالم في 2030 من المبادرات البيئية التي أطلقت مؤخراً لمكافحة التغيرات المناخية والتحول نحو اقتصادات صفرية الانبعاثات الكربونية في شتى القطاعات، وفي ظل محاولات خفض انبعاثات الكربون ومكافحة التغيرات المناخية، أطلقت الدول العربية مبادرات لإعادة الاستخدام وزيادة الاستفادة من المواد والنفايات المهدرة من صناعات مختلفة وإدارتها على النحو الأمثل.

ولأهمية الاقتصاد الدائري في الدول العربية، من الضروري إدماجه ضمن مشمولات التكامل الاقتصادي العربي، وحساب مساهمته بشكل دقيق في توليد الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، وإدخاله ضمن التقرير الاقتصادي العربي الموحد للجامعة العربية ومؤسسات العمل العربي، علماً بأنه لا تتوفر أرقام وإحصاءات عن مساهمته في توليد الناتج المحلي الإجمالي، باستثناء بعض الدراسات، منها المؤشرات حول قياس مدى تقدم الدول وإمكانية تحقيقه التي نشرها مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) «مؤشر الاقتصاد الدائري للكربون لعام 2021 - المنهجية».

 

نقلا  عن الشرق الأوسط