وافقت السلطات اليابانية على توصيات لجنة استشارية حكومية لإعادة إحياء الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، بعد الزيادات العالية لفواتير الكهرباء والانقطاعات الكهربائية المتكررة في طوكيو خلال عام 2022؛ الأمر الذي سهّل قبول الرأي العام العودة للاعتماد على الطاقة النووية بعد كارثة تطورات «التسونامي» على مفاعل «فوكوشيما» النووي في منتصف شهر مارس (آذار) 2011، حيث أدت موجات المد إلى زلزال كبير في المحيط الهادي؛ مما أدى بدوره إلى مشاكل في أجهزة التبريد في المفاعل، ومن ثم ارتفاع ضغط المفاعل التي تبعتها مشكلة في التحكم بالأجهزة اللازمة، نتج منها زيادة في النشاط الإشعاعي.
أوقفت الحكومة العمل في المفاعلات النووية إثر حادث «فوكوشيما» الإشعاعي وغضب الرأي العام الياباني للأضرار التي نتجت من الحادث.
حذرت اللجنة الاستشارية الحكومية في خريطة الطريق للأعوام العشرة المقبلة من «مخاطر أزمة طاقة للمرة الأولى منذ عام 1973؛ وذلك لمخاطر شديدة في الوقت الحاضر نظراً لارتفاع أسعار الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا». وأضاف التقرير «نعترف ثانية بالموقف الضعيف لبلادنا في الحصول على إمدادات الطاقة. الأمر الذي يشكّل تحدياً لأمننا الطاقوي». وأضاف، أن «السبب لإعادة استعمال المفاعلات القديمة يعود إلى محاولاتنا لتقليص الانبعاثات الكربونية باستعمال الطاقات المستدامة». كما أشارت خريطة الطريق إلى أن استعمال كل من الطاقات المستدامة والطاقة النووية «سيضيفان إلى الأمن الطاقوي للبلاد، كما سيؤدي إلى تحقيق هدفينا بتصفير الانبعاثات والأمن الطاقوي».
من الجدير بالذكر، أن اليابان استعاضت في بادئ الأمر بعد إيقاف مفاعلاتها النووية لتوليد الكهرباء إلى استبدالها بحرق الفحم الحجري، لكن اضطرت إلى تقليص استعمال الفحم نتيجة الانبعاثات الكربونية العالية منه التي تخالف إرشادات التوصل إلى تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050. فلجأت عندئذ لاستيراد إمدادات أكثر من الغاز المسال. لكنها واجهت، كغيرها من الدول، مشاكل في استيراد الكميات الوافية من الغاز المسال، بالإضافة إلى ارتفاع كبير وسريع في أسعاره في فصل الخريف لعام 2021، وتفاقمت الأمور لأسواق الغاز وارتفعت أسعاره لمستويات قياسية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا والتطورات الجيوسياسية نتيجة الحرب؛ الأمر الذي استدعى الحكومة اليابانية لتشكيل اللجنة الاستشارية وتوصية العودة للاعتماد ثانية على مصدر طاقة محلي من جهة والمضي قدماً لتحقيق تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050 من جهة أخرى.
وأوصت اللجنة الاستشارية الحكومية كذلك أن تعود الدولة «للاستعمال الأوسع للمفاعلات النووية التي قد تم تشييدها سابقاً»؛ وذلك للتسريع في استعمال الطاقة النووية باستعمال المفاعلات النووية التي كان قد تم تشييدها قبل حادث «فوكوشيما» وتم وقف استعمالها إثر الحادث. كما ذكرت صحيفة «الفايننشال تايمز»، أن اللجنة الاستشارية أوصت بمد العمل بعمر المفاعلات القديمة هذه لأكثر من 60 عاماً، وفي الوقت نفسه تشييد مفاعلات حديثة للعمل بدلاً من المفاعلات التي انتهت فترة العمل بها.
استمدت اليابان نحو ثلث طاقتها من نحو 54 مفاعلاً قبل نشوب حادث «فوكوشيما». ويشير خبراء يابانيون إلى أن العودة لاستعمال المفاعلات النووية القديمة هو الفرصة الأخيرة لليابان في تحقيق تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050.
وبحسب خريطة الطريق التي أوصت بها اللجنة الحكومية الاستشارية، تتعهد الحكومة إنفاق نحو 150 تريليون ين (نحو 1.1 ترليون دولار). ولتغطية هذه النفقات ستصدر الحكومة اليابانية سندات بقيمة 20 تريليون ين لتشجيع القطاع الخاص المشاركة في التمويل. كما ستستغل الحكومة بعض الأموال التي سيتم الحصول عليها من تجارة الكربون لتصفير الانبعاثات، لتغطية نفقات السندات.
أثارت صحيفة «الفايننشال تايمز» أسئلة عدة حول خريطة الطريق هذه. فهناك تساؤلات لدى شركات الكهرباء عن الأرباح المالية المترتبة على تشييد مفاعلات حديثة مستقبلاً، التي قد تبلغ كلفة الواحدة منها نحو تريليون ين تقريباً. كما أن هناك تساؤلات حول كلفة إعادة تشغيل المفاعلات القديمة.
هذا، ومن المعروف، أن اليابان الدولة الصناعية الكبرى، التي تفتقد بلادها احتياطات الوقود الأحفوري، تستورد إمدادات ضخمة سنوياً من الغاز المسال من كل من قطر، وإندونيسيا والإمارات.
نقلا عن الشرق الأوسط